كي لا يُسرق يوم المرأة منها! كلمتان حول «تشويه» قضايا النساء
احتفل العالم منذ أيام بيوم المرأة العالمي، الذي يعدّ مناسبة سنوية للتذكير بضرورة وأحقية قضية المرأة، تحديداً النساء العاملات، والذي اختير هذا اليوم احتفاءً بإنجازاتهن ونضالاتهن سعياً لتحصيل حقوقهن.
تستحق النسوة في يومهن هذا الكثير من العمل، فالكلام حول نضالات المرأة يبدو قاصراً ما لم يقترن بفعلٍ مماثل له في الحماسة. في يوم المرأة هذه المرة، لن نتحدث عن الآلام التي تعايشها المرأة يومياً، لن نتحدث عمّا تتعرضُ له من ظلم، وعنف، واغتصابٍ ممنهج لحقوقها المشروعة بأن تتعلّم وتعمل وتشارك في الحياة السياسية والعملية والعلمية، وأن يتساوى أجرها مع أجور غيرها من العمال الذكور، وأن تُمنح حقّ منح الجنسيةِ لأطفالها، وغيرها من الحقوق المسلوبة التي لا تُحصى... فكلّ ما ذكر آنفاً يبدو مشتركاً بين جميع القوى والتيارات التي تدّعي النضال في سبيل تحصيل حقوق المرأة، والتي –على كثرتها- لم تصل حتى اليوم إلى تحقيق ما تسعى إليه المرأة فعلاً، لذلك يبدو من المشروع السؤال حول ماهّية هذه المنظمات والتيارات، ومن المشروع أكثر السؤال حول كيف؟ وما هي الطريقة التي توصلنا حقاً إلى ما نريده كنساءٍ عاملات مغتصبات الحقوق؟ وهل ننجح؟ ولكن بدايةً لا بدّ من الإضاءة على جزء من التضليل الذي طال هذه القضية الهامّة.
تجزيء القضايا والتعمية عن الاستعمار
يمكن لتضييق الزاوية التي تنشط من خلالها بعض الحركات النسوية أن تصبّ في كثير من الأحيان في الضدّ تماماً من الغايات المعلنة، ففي كيان الاحتلال «الإسرائيلي» على سبيل المثال تنشط العديد من الحركات النسوية وتنظم بعض الاحتجاجات من أجل قضايا تتعلق بالإجهاض أو المثلية وما شابه من المواضيع التي يركّز عليها التيار السائد غربياً في النسوية. هذه الأنشطة تتلقى أيضاً إضاءة عليها حتى من أحزاب «يسارية» عالمية وخاصة في أوروبا وأمريكا، في حين يجري تغييب واقع أنّه على بعد أمتار قليلة أو كثيرة من النقطة التي تبحّ فيها نسويّات الاحتلال حناجرهنّ لتقديم صورة «ديمقراطية» مزعومة عن كيان الاحتلال (سواء فعلت تلك النسويات ذلك عن وعي أو غير وعي) تكون هناك نساء وطفلات فلسطينيات يختنقن بالغاز السام للاحتلال ويتعرّضن للقتل والأسر والتعذيب في سجون الاحتلال. وهذا ليس سوى مثالٍ عن الدور التضليلي الذي يمكن أن يلعبه تشويه طريقة الدفاع عن حقوق المرأة عبر اجتزائها وسلخها عن سياقها التاريخي والطبقي وطمس الظروف الخاصة وتغييب القمع الاستعماري والعنصري والطبقي الذي يطال شعوباً بأكملها بنسائها ورجالها.
«تجميل» الاستغلال أم اجتثاثه؟
في الوقت الذي ينبغي للناشطات النسويات تتّبع أسباب الاستغلال والظلم لمعالجة مشكلات المرأة بشكل حقيقي، تقوم معظم التيارات النسوية إلى تبنّي النزعة «الإصلاحية» في «نضالها»، والتي تتحوّل في كثير من الأحيان إلى «تبرير» لاستغلال المرأة. فبعض الحركات النسوية الغربية بشكل خاص تنظّم تحركات ونشاطات تحت عنوان «حماية العاملات بالجنس» وتتضمن مثلاً تخصيص خطوط اتصال ساخنة لكي تتمكن النساء اللاتي يعملن في الدعارة من طلب النجدة عند التعرض لمشكلات أو أمراض وما إلى ذلك أثناء «عملهنّ». وعلى الرغم من ضرورة حماية النساء من الظلم بتقديم جهات يمكن أن تساعدهن وتخفف معاناتهن، ولكنّ المشكلة تكمن في أنّ هنالك فرقاً جذرياً بين النشاط النسوي «الإصلاحي» الذي لا يناضل من أجل اجتثاث الأساس الطبقي والاقتصادي-السياسي الذي يعيد إنتاج الدعارة وتسليع جسد المرأة، بل نراه في هذا المثال على العكس يسبغ -سواء عرف ذلك أم لم يعرف- نوعاً من التبرير لاستمرار استغلالهن وأقصى ما يقدمه هو محاولة «تلطيف» الاستغلال. في حين أن النضال الثوري الجذري لتحرير المرأة هو الذي يحرّرها هي والرجل والأطفال من الاستغلال الطبقي، وفي الحقيقة سبق للبيان الشيوعي منذ عام 1848 أن شدّد على أنّه «من الواضح جداً أن إزالة نظام الإنتاج الحالي (ويقصد الرأسمالي) ستؤدي بطبيعة الحال إلى إلغاء إشاعة النساء الناتجة عن هذا النظام، أيْ إلغاء البغاء الرسمي وغير الرسمي».
الموقف من «العائلة»
يبدو من الأهمية بمكان عند الحديث عن قضية المرأة الإشارة إلى بعض التيارات النسوية «اليسارية» التي –نظرياً- تشعل نضالاً مستعراً ضدّ الرأسمالية، وتتبنّى الشيوعية، ولكنها في الوقت نفسه تتبنّى أفكاراً ومفاهيم خاطئة حول الشيوعية نفسها! لعلّ المثال الأوضح هو الادّعاء بأن الشيوعيين يريدون القضاء على «العائلة» بشكل عام. في حين أنّ البيان الشيوعي نفسه كان واضحاً عندما وجّه انتقاده إلى الأشكال الطبقية تحديداً من اتحاد الزواج، ولا سيّما العائلة البرجوازية، عندما قال إنها «ترتكز على أساس رأس المال، على أساس الكسب الخاص، ولا توجد في شكلها المتطور الكامل إلا بين البرجوازيين فقط، ولكن تكملتها توجد فقط في البغاء العلني والحرمان القسري للبروليتاريا من العائلة». وهنا نسأل: لو كان البيان الشيوعي يعتبر «العائلة» بشكل عام «شرّاً مطلقاً» كما تحاول كثير من حركات النسوية «اليسارية» أن توحي بذلك، هل كان ليتحدث ماركس وإنجلس في البيان بهذه اللهجة المتعاطفة التي تُدين «الحرمان القسري للبروليتاريا من العائلة»، أمْ إنّ هذا يؤكد بالعكس أنّ البيان الشيوعي ينطوي ضمناً على تصوّر مختلف وتحرّري وثوري لمفهوم ومستقبل اتحاد الزواج والعائلة؟ وللعلم فإنّ البيان الشيوعي لم «يُبشّر» بزوال «العائلة» بشكل عام بل «العائلة البرجوازية» تحديداً: «ستتلاشى العائلة البرجوازية بالطبع بتلاشي تكملتها (البغاء العلني) وستنقرضان كلتاهما بانقراض رأس المال».
ومن الجدير بالذكر هنا التذكير بأنّ القضاء على العائلة هو جزء من عملية يجري العمل عليها فعلاً حالياً من قبل الرأسمالية نفسها، فنرى هجوماً شرساً على كلّ أشكال التضامن الاجتماعي وتعزيز لمفاهيم «الفردانية» في محاولة إلى تفكيك وتشظية المجتمعات وبالتالي إنهاء سبل توحدها والذي يعدّ من أخطر ما قد تواجهه الرأسمالية. لذلك لا يبدو من الغريب على الإطلاق تبنّي هذه التيارات من النسوية لقضايا أخرى كالمثلية، ولكنها (وعت ذلك أم لم تعِ) فإنها تقف في الصف المعادي للطبقة التي تدعي النضال من أجلها، وللمرأة العاملة ضمناً!
«نسويات» ضدّ الرجال... والنساء!
من أبرز التيارات النسوية السائدة والتي تدّعي تمثيلها للمرأة تلك التي تضع الرجل بمكان «العدو»، فالرجل –حسب هذا التيار- هو المسبّب الأساسي للعنف والظلم والتمييز والاغتصاب والتحرش وكلّ المشكلات التي تعاني منها النساء. لذا تسعى هذه التيارات إلى تصوير الصراع على أنه رجل/امرأة وهو ما ساهم – بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً- بشكلٍ مكثّف بتسطيح قضية المرأة وتفريغ النضال من محتواه الطبقي. وبذلك يصبح واضحاً أنّه وبرغم حسن نوايا بعض النساء المنخرطات في العمل النسوي إلّا أن حجم التشويه الذي طال هذه القضية بات أكبر من أن يُحجب بإصبع.
ولا يجوز بحال من الأحوال الانتقاص من أهمية النضال على هذه الجبهة، ولكن ما يحصل حقيقةً في خضّم النضال على جبهات متعددة هو التقليل وعدم التركيز على النضال في الجبهة الأساسية والتي تعدّ كل الجبهات تابعة لها. إن اختزال الأساسي إلى ثانوي هو التضليل بعينه، وإن النضال على الجبهة الاقتصادية الاجتماعية عبر تنظيم المجتمع وتوحيده في وجه عدوّه الطبقي هو النضال الأساسي الذي يمكن عبره فقط حلّ قضية المرأة وتحريرها، والذي لا يمكن أن تقوم به مجموعات تحمل قضايا المرأة فقط، أو قضايا الطفل فقط... إلخ
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1113