الثقافة واجب من الدرجة الأولى
من التقرير الذي ألقاه فرج الله الحلو في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي في سورية ولبنان الذي عقد بتاريخ 31 كانون الأول من عام 1943 والأول والثاني من كانون الثاني عام 1944
حاجتنا إلى الثقافة تتزايد مع نمو قوة الحزب
إننا نلاحظ بغبطة وفخر أن حزبنا قد نما وتقدم، وأن المستوى العام السياسي والثقافي قد ارتفع في منظمات حزبنا بالنسبة إلى ما كان عليه من قبل، ونلاحظ أيضاً بسرور وارتياح أنه قد بدا في الحزب ملاك من القادة لا بأس بهم، استطاعوا في كثير من الأحوال، أن يجدوا بأنفسهم الاتجاه السياسي الصحيح الذي يجب أن يتخذوه في المعارك الوطنية.
ولكننا لسنا هنا لنتغنى بانتصاراتنا ولنطري نجاحاتنا. إننا هنا لندرس طريق عملنا وتنظيمنا، ونواحي نشاطنا. ونضالنا فنزيد الصالح منها إتقاناً وعناية، ونعالج منها ما هو غير صالح وغير مجد.
إننا هنا قبل كل شيء لندرس نواحي الضعف في عملنا وتنظيمنا، ولنجد العلاج الصالح. ونحن من عاداتنا ألا نخفي عيوبنا ونقائصنا وإن خفيت بنفسها عن غيرنا. إننا ننتقد أنفسنا ونظهر بشجاعة وإخلاص نواحي ضعفنا وتقصيرنا وبهذا نستطيع أن نتلافى بنجاح نواحي الضعف والتقصير.
صحيح أن حزبنا قد ارتفع مستواه السياسي والثقافي ولكن لا يزال هذا المستوى، في كثير من المنظمات دون الدرجة المطلوبة، وأقل من الواجبات الوطنية الخطيرة الموضوعة أمام حزبنا أو التي تضعها الحياة كل يوم أمام حزبنا. إن بعض منظماتنا لم تتمكن إلى الآن من رفع مستواها السياسي والثقافي إلى مستوى النفوذ الذي يتمتع به حزبنا في الأوساط السياسية والوطنية والأوساط المثقفة. ولو استطاعت هذه المنظمات أن تجعل قوتها التنظيمية في مستوى النفوذ السياسي لتمكنت من النمو والتقدم أضعاف ما وصلت إليه.
والمعروف عن حزبنا أنه الهيئة السياسية الوحيدة التي تعني بتثقيف أعضائها ثقافة سياسية عامة، وتسعى إلى توسيع اطلاعهم ومعارفهم. وقد تمكن حزبنا من تثقيف عدد كبير من أعضائه فأصبحوا في منظماتهم قادة مرموقين يتمتعون بعطف من الشعب وحب واحترام. وقد رأينا، نتيجة ذلك، نمو في هذه المنظمات حتى باتت في كثير من الأحيان قطباً سياسياً تجتمع العناصر الوطنية وتسير الجماهير في نضالها تحت رايته.
الثقافة واجب حزبي من الدرجة الأولى
ولكن هذه ليست حال جميع منظماتنا. وليس يكفي أيها الرفاق، أن يكون الشعب مقتنعاً بإخلاص الشيوعين وصدق وطنيتهم وشجاعتهم وتفانيهم في النضال من أجل وطنهم وحريته وهنائه حتى يقبل بالسير معهم والالتفاف حولهم وتحت لوائهم. وينبغي أيضاً أن يرى الشعب في الشيوعين أناساً ذوي اطلاع وثقافة وبراعة ومعرفة كافية في جميع الشؤون والمشكلات التي يواجهها الشعب في حياته اليومية ونضاله السياسي والاقتصادي.
لذلك فالثقافة في الحزب الشيوعي هي من أكبر الواجبات الوطنية على القادة الشيوعيين نحو أنفسهم ونحو المنظمات التي يتولون أمرها.
وينبغي أن يدرك جميع رفاقنا أن الثقافة في الحزب ليست عملاً طارئاً ولا هي من الحملات السياسية التي يقوم بها الحزب في مرحلة معينة من حياته ونضاله، بل هي عمل مستمر دائم منظم طويل الأمد. وليس في الحزب عضو واحد في غنى عنها. وتتطلب الثقافة في الحزب، ولا سيما من القادة والمسؤولين، جهداً شخصياً كبيراً وصبراً وطول أناة، وجلداً لا حد له.
ولا ريب أن الكثيرين من رفاقنا يدركون حقاً أهمية الثقافة السياسة والنظرية في الحزب، والحياة نفسها وظروف نضالهم كانت لهم خير حافز على طلب الثقافة والمعرفة. ولكننا نلاحظ، مع الأسف، في صفوف حزبنا رفاقاً وبعض الأحيان قادة لم يدركوا بعد حق الإدراك ضرورة الاهتمام بالثقافة ولم يعطوا القسط الذي تستحقه أنفسهم مطالعة الكتب والمطبوعات التي تصدرها لجنتنا المركزية. ومن المؤسف حقاً أن نقول إن الكثيرين أيضاً يطالعون «صوت الشعب» ولكنهم لا يعنون العناية الكافية بدرس افتتاحياتها ومقالاتها الهامة الدولية والوطنية.
يجب أن نعرف بلادنا وتاريخها
أيها الرفاق
إننا بحاجة إلى رفاق مسلحين بالمعرفة والثقافة والاطلاع، إننا بحاجة إلى حزب مطلع مثقف عارف، إذا كنا نريد أن نقوم بواجبنا الوطني الخطير، إذا كنا نريد أن نصبح حقاً طليعة الحركة الوطنية الصاعدة، إذا كنا نريد فعلاً تحقيق الاتحاد الوطني الصحيح في سبيل الاستقلال الوطني الصحيح.
وليس يكفي الشيوعيين أن يعرفوا نظريتهم العلمية، وأن يعرفوا مستواهم السياسي، بل ليس يستطيع الشيوعيون أن يفهموا ويهضموا نظريتهم العلمية، إذا لم يكن لهم معارف عامة وثقافة عامة. ولا يستطيع الشيوعيون أن يرفعوا مستواهم النظري السياسي، إذا لم يدرسوا أحوال وطنهم وتاريخ شعبهم، يجب أن نعرف بلادنا، أن ندرسها بكل بقعة من بقاعها، بجميع مميزاتها وخاصياتها، بثروتها وجمالها وبكل ما حبتها الطبيعة من منح غالية غزيرة.
ويجب أن ندرس تاريخنا في ضوء نظريتنا العلمية، لأن هذه النظرية لا تساعدنا على وضع سياسة صحيحة لحزبنا وعلى إيجاد الحل لمشكلاتنا وقضايانا الوطنية فقط، بل تعيننا على فهم تاريخنا العربي وثقافتنا العربية، وعلى إحياء أجمل ما في تراثنا، واكتشاف جميع النواحي الإيجابية الطيبة في تاريخ شعبنا، هذه النواحي التي ما زالت الأيدي الغربية تعمل على طمسها ومحوها وإخفائها.
ويجب أن ننفض غبار الأجيال عن مخلفات شعبنا الديمقراطية، يجب أن ننقب عن كل آثاره الثقافية وثروته الفكرية، ويجب أن نبعث أمجاد آبائنا العرب وبطولتهم في نضالهم التحريري خلال الأجيال الطويلة مهما كانت أشكال ذاك النضال ومهما تنوعت مظاهره.
ولا يستطيع الشيوعيون أن يؤدوا رسالتهم السامية في خدمة شعبهم وتحرير وطنهم، إذا لم يعرفوا تاريخ نضال آبائهم وأجدادهم وإذا لم يشعروا أنهم من الورثاء الشرعيين لهذا التراث الغالي الذي خلفه الآباء والأجداد.
إننا بحاجة إلى قادة شيوعيين يجمعون إلى التجربة السياسية والإخلاص والإقدام والتفاني، الثقافة السياسة والثقافة العامة، وبذلك يصبحون جديرين بالواجب الخطير الملقى على عاتقهم.
إننا بحاجة إلى قادة من هذا النوع يستطيعون أن يجعلوا قرارات الهيئات العليا في الحزب وشعاراتها، قرارات وشعارات الحزب كله، والجماهير كلها. إننا بحاجة إلى قادة، يعرفون ويدركون أن الخطة السياسة في الحزب لا يمكن فهمها، ولا يمكن بالنتيجة تطبيقها تطبيقاً صحيحاً مجدياً، إذا نظر إليها أعضاء الحزب كخطة آتية من فوق، لا كخطتهم أنفسهم. فكلما ازداد الشيوعيون الذين يدركون أن سياسة الحزب وقراراته وشعاراته، هي لهم ومنهم، ازداد حزبنا قوة وكفاءة في القيام بواجبه، كطليعة للحركة الوطنية وقائد للنضال الوطني. ولكي يتم ذلك يجب رفع المستوى السياسي والثقافي العام للحزب بصورة مستمرة وبدون كلل أو ملل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1112