رواية «كرنفال» لراوي حاج: دانتي في مونتريال!
في 2008 ، آنَ جئتُ مونتريال ، لأتسلّمَ جائزة متروبوليس الزرقاء، من الجامعة، التقيتُ راوي حاج ، صحبةَ جان عصفور الأكاديميّ والشاعر.
يومَها كان راوي حاج أصدرَ روايته الأولى : لعبة دي نيرو De Niro’s Game
التي فازت بجائزة دبلِن الأدبية الكبرى ، وتُرجِمت إلى تسعٍ وثلاثين لغةً .
الآن ، أزورُ مونتريال ، في شهر أيار من عامنا الرابع عشر بعد الألفَين ، زورةً خاصةً ، فأسألُ عن صديقَيّ راوي حاج ، وجان عصفور ، وأكون محظوظاً بلقائهما ، في مطعم " الزوّادة " اللبناني ، غير البعيد عن جامعة مغيل الشهيرة في قلب مونتريال .
راوي حاج ما زال كعهده ، يفضِّلُ الصمتَ والمراقبة الذكية ؛ وجان عصفور ما زال كعهده ، في طراوة اللسان وطلاوتِه ، ومتابعة الشأن الثقافي .
*
بين يديّ رواية " كرنفال " الصادرة قبل عامٍ في طبعةٍ أميركيةٍ ، بعد الطبعة الكندية . تقع الرواية في 290 صفحة
*
الحبكة الروائية ، الذكية ، التي اتّبَعَها راوي حاج ، على امتداد العمل ، ذاتُ شقّينِ : متابعة الكرنفال الذي يمتدُّ شهراً ، ومتابعة سائق التاكسي ذي الأصل الشرقي.
الكرنفال ، باعتباره قيمةً فنّيّةً ، يسّرَ للكاتب الوصولَ إلى جوّ اللامعقول في حياة مونتريال الفعليّة .
وسائق التاكسي ، كقيمةٍ فنيةٍ أيضاً ، يسّرَ لراوي حاج ، مهمّةَ الحركة ، واستقدامَ الأشخاص ، وتقريبَ البعيد ، واختزالَ الزمن .
*
تبدأُ الرواية بسائق التاكسي ، الذي يصلُ مونتريال على بساط الريح ، وتنتهي بمغادرة " حميد " مونتريال ، على بساط الريح أيضاً ، بعد أن ضاقت به الحالُ ، وحاصرَه الخطَرُ ، وتَهدَّدَ حياته ، شأنه شأن عديدٍ من سائقي التاكسي القتلى في ظروفٍ غامضةٍ .
في الرواية تشريحٌ صارخٌ للمدينة الكندية ، يتولاّهُ أناسٌ من شرائح اجتماعية مهمّشة : هناك لاعبو السيرك ، العواهر ، سائقو التاكسي ، مدمنو الخمر والمخدّرات ، ضحايا التمييز في بلدانهم الأصلِ أو في المهْجرِ الكنديّ ، راقصات الملاهي الرخيصة ... إلخ أحياناً يتّخذُ التشريحُ سبيلَ الانتقامِ حدَّ القتل أو التخطيط للقتل ، كما هو الحال لدى " أوتو " المثقف المتهور ، الذي اعدَّ قائمةً طويلةً بأغنياء مونتريال ، بُغْيةَ قتلهم انتقاماً .
*
لا بُدّ لي ، في حديثي المختصر عن العمل ، من التنويه براديكالية الفكر الحاضنِ ، في ما اتّصَلَ بالموقف الطبقيّ ، والدين ، والسياسة عموماً .
لقد بلغت الراديكاليةُ حدّاً جعل أوتو ، يقتلُ صحافيّاً فرنسيّاً ظلّ يمتدحُ ألبير كامو بحرارة ، بينما كان أوتو يجادله حول استعمار الجزائر .
*
أشدُّ على يد راوي حاج ، مهنّئاً ، وسعيداً بالعمل .
لَكأنّ هذا الروائيّ ، القادم من لبنان ، المتمرِّس بالحياة ، والمتمترِس بها ، دانتي مونتريال .
لقد فضح ، بجدارةٍ فنّيّةٍ عاليةٍ ، الكذبةَ الكبرى : الحاضرة الرأسماليّة !
تورنتو
8/5/2014