على أعتاب مئوية الاتحاد السوفييتي
لؤي محمد لؤي محمد

على أعتاب مئوية الاتحاد السوفييتي

سجل القرن الماضي العديد من الأحداث العاصفة والإنجازات العظيمة، ولكن لا يمكن أن نقارن أياً منها بثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي حدثت عام 1917 من حيث القوة أو التأثير على مصير الشعوب والبلدان.

لقد فتحت ثورة أكتوبر بداية عهد جديد في تاريخ البشرية على طريق الثورة الاشتراكية والتحرر من الاضطهاد الطبقي والقومي، ليس في روسيا القيصرية وحدها وإنما ظهر هذا التأثير في كل البلدان والدول بنسب ومستويات مختلفة، مطلقة بذلك موجة ثورية امتدت حول العالم وغيرت مصير البشرية وخط سير تطورها خلال القرن العشرين بأسره.
وكانت ثورة أكتوبر أول ثورة في التاريخ قضت على استعباد شعب لشعب على سدس الكرة الأرضية، وهي أول ثورة رفعت راية وتأييد الثورة الوطنية التحررية في الدنيا بأجمعه، وصدرت المراسيم الأولى للثورة في الأيام الأولى مثل مرسوم السلام الذي وضع أسس حق تقرير مصير الشعوب والأمم، ومرسوم الأرض الذي ألغى ملكية كبار ملّاكي الأراضي والإقطاعيين بدون تعويض وغيرها من الإنجازات.
اندلعت ثورة اكتوبر في الذكرى الخمسين لنشر كتاب «رأس المال» لكارل ماركس، الذي اعتقد في البداية بأن الثورة الاشتراكية تعتمد على الطبقة العاملة في بلدان أوربا الغربية الرأسماليّة المتقدمة، ولكنه كتب في مقدمة البيان الشيوعي عام 1882 قبل سنة واحدة من وفاته، مشيراً إلى احتمال قيام الثورة في روسيا. ولكم ذلك ليس مجرد عبث أو رمي عشوائي للكلام في الهواء، إذ انتقل مركز الحركة الثورية إلى روسيا منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأشار أنجلز إلى ذلك في إحدى رسائله أيضاً.
تأسس الاتحاد السوفييتي كأول دولة للعمال والفلاحين في العالم في مرحلة اتصفت بصعود الحركة الثورية العالمية أوائل القرن العشرين، كأحد نتائج ثورة أكتوبر التي تركت تأثيرها على مجمل التطور العام للبشرية خلال القرن الماضي. وفي الثلاثين من كانون الأول 1922 تأسس الاتحاد السوفييتي الذي تكون من اتحاد جمهورية روسيا السوفييتية الاتحادية الاشتراكية والجمهوريات السوفييتية في القوقاز وأوكرانيا وبيلاروسيا. وفي العام 1924 توسع قوام الاتحاد السوفييتي بانضمام جمهورية بخارى الشعبية وجمهورية خوارزم الشعبية وبقية بلاد آسيا الوسطى.
وفي العقود اللاحقة التي تلت تأسيس الاتحاد السوفييتي، وجدت 16 جمهورية سوفييتية، وأكثر من 40 من الجمهوريات والمحافظات والدوائر القومية المتمتعة بالحكم الذاتي في بلد يضم أكثر من 125 قومية.
منذ انتصار ثورة أكتوبر 1917 وتأسيس الاتحاد السوفييتي 1922، حتى بدء التراجع في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي 1956 وصولاً إلى التفكك والانهيار عام 1991. تقع مرحلة مهمة من الانتصارات والهزائم. إذ لا تقل الهزائم من حيث الأهمية عن الانتصارات، بل كانت معرفة أسباب هزيمة كومونة باريس مدخلاً إلى الانتصار في ثورة أكتوبر. كما ستكون دروس انهيار الاتحاد السوفييتي وهزيمة الحركة الثورية العالمية مدخلاً لانتصار الثورة الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين. حيث استمرت تجربة كومونة باريس حوالي 70 يوماً، بينما استمرت تجربة الاتحاد السوفييتي حوالي 70 عاماً، ومن هنا يمكن القول إن التجربة القادمة ستكون أكثر قوة وتطورا وتأثيراً.
وعلى أعتاب الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفييتي، هل سيفعلها العمال والبلاشفة مرة أخرى في القرن الواحد والعشرين؟
قبل حوالي ثلاثين عاماً، كان هذا الكلام ضرباً من الجنون عند الكثيرين، وكان كلاماً صحيحاً عند آخرين عرفوا الطريق الصحيح. أما اليوم، فأحداث أسبوع واحد تؤكد بشكل كبير: لا خيار إلا الاشتراكية، الاشتراكية هي الحل. لأن العالم القديم صار غارقاً وعاجزاً عن حل المشكلات التي تواجه البشرية من أبسط المشكلات: تعبيد شارع في حي صغير وتأمين كهرباء قرية، وصولاً إلى تأمين الاقتصاد والحياة على المستوى الإستراتيجي.
بالتأكيد سيفعلها عمال العالم مرة أخرى، ولكن يصعب الحديث عن زمان ومكان الثورة الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين، ويمكن الدلالة عليها بالقول التالي: الثورة الاشتراكية قادمة.
عالم الاشتراكية، عالم العدالة الاجتماعية هو الهدف النهائي للطبقة العاملة، عالم بلا حروب وبلا أوبئة، عالم لا يعرف الموت جوعاً وبرداً أو الموت بسبب قلة الدواء، عالم لا يعرف استغلال الإنسان للإنسان.
على أعتاب مئوية الاتحاد السوفييتي، لا بد من التذكير بأن التغني بأمجاد الماضي لا يفيد، لأن مهام الحاضر تضغط بقوة. وتقول: الاشتراكية هي الحل. وعلى نقيض التغني بأمجاد الماضي، يجب دراسة الماضي جيداً وتحليله بعمق للمضي قدماً نحو مهام الحاضر والمستقبل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1089