سؤال الهوية!
تتعدد التفسيرات والتأويلات المتعلقة بمصطلح «الهوية الوطنية» فمثل غيره من المفاهيم تعرّض ويتعرّض هذا المفهوم إلى كثير من التشوّيه، ولعل أكثر التفسيرات تشويهاً تلك التي كانت، وما زالت تنظر إلى المسألة على أنها مسألة ثقافية بحد ذاتها، منعزلة عن سواها من مكونات الوحدة الوطنية، و أنها مجرد معطى إرادوي أخلاقي..
إن الجانب الثقافي في الهوية، بما يعنيه من انتماء، ومشاعر، ومنظومة قيم وعادات وتراث مادي ولا مادي، هو الشكل الذي تتجلى به الهوية الوطنية لكل شعب، وهو الذي يحدد إطارها. ولكن هذه الهوية لا يمكن لها أن تتبلور، وتكتمل عناصر استمرارها، وتستطيع مواكبة التطور التاريخي الموضوعي دون توافر الحوامل الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية المناسبة.
تبين التجربة السورية الملموسة، بعد ثلاث سنوات من الأزمة، بكل مرارتها، غنى البنية الحضارية والثقافية للشعب السوري، وامتلاكها عناصر قوة لايمكن أخذها بسهولة، أنتجها وعيه الوطني وتجربته في مواجهة العدو الخارجي، منذ تشكل الدولة السورية الحديثة، حتى باتت إحدى سماته ومزاياه، ولكن ينبغي الإقرار أيضاً بوجود تشوهات جدية برزت على السطح قبل الأزمة وفي ظلها، طرحت السؤال عن ماهيّة الهوية؟
لقد تعرضت الهوية الوطنية السورية منذ تشكل الدولة السورية إلى اهتزازات عديدة، ولكن أخطر ما هدد هذه الهوية كان ما تمخض عنه اعتماد النموذج الليبرالي الاقتصادي الذي أنتج الفقر والبطالة والتهميش والهجرة، وبالتالي خلق حالة اغتراب لدى فئات واسعة تجاه الواقع والقضايا الوطنية العامة، فأجهز ذلك النموذج على أهم حوامل الهوية الوطنية «الحامل الاقتصادي الاجتماعي» بعد تغييب دور الدولة الاجتماعي في تأمين حاجات الإنسان السوري، الأمر الذي فسح المجال لتنامي دور البنى التقليدية (طائفية قومية قبلية عشائرية).. وجاء دور وسائل الإعلام لتستثمر في هذا الواقع شر استثمار، وتفعل فعلها وخصوصاً بعد تحوّل الأزمة إلى شكلها العنفي.
لاشك أن الهوية الوطنية ليست معطىً جامداً، بل تتعرض في سياق التطور التاريخي إلى تحولات نوعية.. ولكن بأي اتجاه؟ إن الاتجاه الطبيعي لهذه التحولات يجب أن يكون في منحى تحقيق استكمال الشرط الذاتي وفي إطار التكامل والتوافق مع الثقافة الإنسانية التقدمية