بين قوسين  العلامة: «شوهد»
خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين العلامة: «شوهد»

الشخص المعاق ذهنياً في الواقع، لا يحتاج إلى تمرينات كي يحلّق عالياً في العالم الافتراضي. المسألة لغوية في المقام الأول، يكفي أن يستعير أجنحة نسر حتى يقف على قمة أعلى جبل، ثم ينقضّ على طريدته، لكنه ما أن يغلق شاشة الكمبيوتر، سيكتشف أنه بحاجة إلى قوة فعلية لكسر قشرة البيضة. 

هناك كائنان متناقضان يصعب ترميم كسورهما، وتالياً فإن هذا الشخص المعاق ذهنياً، يتجوّل في العالم الافتراضي بعكازين غير مرئيين، وندوب متورمة في الذات الكسيحة إلى حدود الاحتضار.  مثل هذا الشخص الذي يشكّل نموذجاً ليس أمامه سوى الذهاب إلى أقرب مصحة في فترة علاج طويلة. الطائر الافتراضي نفسه، يشيح بعينيه عن ضعف جناحيه في الطيران، لكنه لا يكف عن المحاولة مقلّداً صديقه الخفّاش: الطيران الأعمى ليلاً، والنوم نهاراً. حصيلة المعارك الليلة لا يستهان بها، عدا الطرائد، سنجد مزيجاً من كازنوفا وغيفارا. شكسبير وموليير، جان دارك وجميلة بوحيرد. نابليون وماكيافللي. في استراحة المحارب سيتحوّل إلى: عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وسارية السواس، وفي نافذة أخرى: الشيخ إمام ومارسيل خليفة. في الواقع فإن الكائن الافتراضي يشبه مندوب المبيعات، يحاول إقناعك بمعطّر الجو بالوصفة نفسها التي يستعملها في إقناعك بشراء موسوعة للمعرفة، أو جهاز لتنقية المياه، فالمهم هنا تسويق البضاعة لكسب أكبر قدر من الزبائن. في الشارع يطلب الشحاذون حسنة لله، وفي «الفيس بوك» يطلب المحتاج» لايك» من المحسنين، وما أن يحقق مراده بعد سهر الليالي فإنه يتفقّد أجنحته مجدداً، استعداداً لعبور البلدان والقارات، فهو حفيد شرعي للسندباد وابن بطوطة. لصلاح الدين الأيوبي والحجاج، لأبي نواس والمتنبي، لأمل دنقل ونزار قباني. فتوش ثقافي وسجائر لمقاومة النعاس، والمقاومة حتى آخر قطرة من الكذب. أما ما يرفع الضغط فهو زحام الشعراء، إذ أية عبارة تحتوي شوقاً وقهوةً وشيئاً من أغاني فيروز، تتوّج صاحبها أو صاحبتها ملكاً أو ملكة شعرية بكلمة: رائع، ومدهش ، وعظيم. في المدارس يضعون علامات من نوع: ضعيف، وسط، لا بأس، جيد، جيد جداً، وممتاز، وما تحت ذلك فيستحق كلمة «شوهد». ما نجده في الفيس بوك: شوهد لا أكثر، مهما كانت نبرة هذا الثائر أو تلك الثائرة! ‏