لينين والثورة الثقافية
استخدم لينين ثلاثة عناصر في بناء المجتمع الاشتراكي الأول، الذي افتتح حقبة جديدة في تاريخ الإنسان، وهذه العناصر هي:
1_ السلطة السوفييتية، أي الثورة السياسية حيث انتقلت القيادة إلى طبقة العمال بالتحالف مع الفلاحين.
2_ الكهرباء، أي الثورة الاقتصادية أو الإنتاجية.
3_ تثقيف الجماهير أي الثورة الثقافية.
وما من ثورة اشتراكية يمكن أن تنهض من غير هذا الثالوث. أي بدون تغيير طبيعة الدولة وبدون تغيير العلاقات الإنتاجية في المجتمع وبدون أن يتغير جوهر الحياة العقلية والروحية لا يمكن بناء المجتمع الاشتراكي.
لقد قال لينين قبل الثورة:
«كان كل ذكاء الإنسان وكل عبقريته، يخدمان حفنة قليلة من البشر. ويمنحانها كل ثمار العلم والثقافة، بينما تعاني الأغلبية الساحقة من أبناء المجتمع حاجتها الماسة والحيوية إلى التعليم والتطور والارتقاء».
وقال بعد انتصار الثورة:
«كل منجزات العلم، وكل منجزات الاقتصاد، سوف تصبح ملكاً لكل الناس، ومن الآن فصاعداً لن يستخدم الذكاء الإنساني ولا العبقرية الإنسانية لخدمة أغراض القهر والاستغلال. ألا يستحق هذا كله أن يمنح كل أمرئ جماع قوته وجهده، لتحقيق هذه المهمة التاريخية الكبرى؟ أجل ولسوف ينجز الشعب العامل هذا العمل التاريخي الضخم، ذلك لأنه في أعماق هذا الشعب العامل تكمن كل القوى العظيمة للثورة، والتجديد والميلاد الجديد».
وطبيعي بعد أن تنتصر الثورة لا بد أن تتعرض الثورة لانحرافات عديدة في المفاهيم الفكرية وما يترتب عليها من خطط وبرامج. فما طبيعة الثقافة الجديدة التي يراد لها أن تسود. أهي ثقافة بروليتارية أم امتداد للثقافات القديمة ومتطورة عنها؟ لقد رفض لينين آراء دعاة الثقافة البروليتارية التي كان يرأسها بوجدانوف وكانت تنادي بمبدأين أساسيين:
1_ رفض التراث الثقافي.
2_ إقامة ثقافة بروليتارية نقية خالصة.
لقد رد لينين على دعاة هذه النظرية وقال: لا أفكار خاصة بل الماركسية، لا اختلاق لثقافة بروليتارية جديدة، بل تطوير لخيرة نماذج وتقاليد ونتائج الثقافة الموجودة من وجهة نظر الماركسية.
وقال أيضاً: حسبنا في البداية أن تكون لنا ثقافة برجوازية حقيقية، حسبنا في البداية أن نعرف كيف نستغني عن النماذج الغليظة والفظة من الثقافات السابقة للثقافة البرجوازية.
وكانت المهمة الأولى في نظره هي أن نتعلم، ثم الاهتمام بألّا يبقى العلم عندنا حروفاً ميتة أو جملاً على الموضة، بل أن يدخل العلم حقاً في العادات، ويصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا كلية وبالفعل. ويدعو إلى دعم ومساندة الاتجاهات الديمقراطية الاشتراكية النامية داخل ثقافة المجتمع البرجوازي نفسه أو داخل جانب من جوانبها. ولذا قدر تولستوي تقديراَ قيماً أثار الاستغراب في حينه وكان تقديره له ما هو إلا تقدير لكل ما هو طيب وعميق وتقدمي في التراث البرجوازي، وكذلك قدر جميع الكتاب العظام الآخرين.
وفي الوقت الذي كان يدعو فيه إلى هذه الثقافة كان يدعو إلى تربية الجماهير العاملة تربية طويلة بروح المساواة القومية الكاملة والإخاء الوطني الكامل، هي من أشد ما تحتاج إليه الثورة البروليتارية وجسد في الفعل الثوري كلمات ماركس: «أن شعباً يضطهد آخر ليس حراً».
وللوصول إلى هذين الهدفين كان لا بد من القضاء على الأمية المتفشية بين الروس والقوميات الأخرى لاكتساب الثقافة جوهرها الديمقراطي حيث لا تبقى الثقافة حكراً في أيدي القلة بل تصبح ملكاً للأكثرية الساحقة من الناس. ولذا كان يفضل بناء مدرسة في قرية نائية على بناء مسرح في المدينة. وقد تحقق هذا الهدف وأمّحت الأمية وفي سنوات قليلة خرج مجتمع يقرأ شكسبير أكثر مما تقرأه بلاده إنلكترا.
*من مخطوطة محمد عادل الملا «آراء ومطالعات في الأدب والتاريخ والفلسفة والاجتماع» المخطوطة الثانية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1079