التهريج شكلُ الأزمة العاجز

التهريج شكلُ الأزمة العاجز

يقول ماركس إن السخرية الذاتية هي من أرقى أشكال نفي الذات، ويشدد لينين أيضاً على ضرورة صفة النقد الساخر التي يجب أن يتمتع بها البلشفي. ويضيف شارلي شابلن في هذا السياق أن السخرية تساعد القبض على الألم والمعاناة وتطويعها. ونقيض هذ النوع من السخرية التي تكشف الجوهر وتعترف بالأزمة، هو التهريج الذي يحاول الهروب من الجوهر لينكر المشكلة.

جونسون ليس وحيداً

ليس جديداً الكلام عن اتجاه المهزلة الذي يطبع الرأسمالية في مرحلة أزمتها العميقة. المهزلة هي التناقض الفاقع بين سلوك النخب الذي يوحي بأنه القادر، والظهور بمظهر المسيطر والممسك بزمام الأمور بينما الواقع في مكان آخر كلياً. هذا التناقض هو قاعدة حالة التهريج العامة التي لا تنحصر بجونسون الذي تكثفت حوله توصيفات التهريج، بل تمتد لتطال الفضاء السياسي القديم كله، ولكن والأخطر، هي حالة عقلية- نفسية- سلوكية لدى غالبية القوى الاجتماعية في سلوكها اليومي. إنها حالة المجتمع الممارسية في مجمل تفاصيل الحياة. ومراجعة سريعة لخطاب الدبلوماسية الروسية في سياق المعركة السياسية الإعلامية حول الأزمة الأوكرانية، فإن توصيف «التهريج» صار مركزياً عند الكلام عن حالة النخب الغربية. فالغرب في عناده للتاريخ، وإصراره على نكران الحقيقة الساطعة، يتحول إلى مهرج، فكل وعد وكل موقف يظهر عاجزاً، لا بل يظهر عكسه بشكل آني.

عامل تسارع الأزمة

وهنا يظهر مظهر آخر يشكّل حالة التهريج بشكلها الواضح. إنه تسارع الحدث نفسه الذي يبقي على الكلام الغربي حياً في الذاكرة إلى حين ظهور نقيضه في الواقع. وهنا عودة إلى شارلي شابلن في قوله إن التراجيديا هي اللقطة المقربة للحياة بينما الكوميديا هي اللقطة البعيدة لها. وإذا اسقطنا المقولة بمعناها الزمني على قضية الصراع الفكري والسياسي اليوم، فمع المرحلة ونتيجة حدة التناقض وعمقه، فإن الزمن ينضغط، لدرجة اتضاح الحلقات بعيدة المدى مع الحلقات القريبة والوسطى، وانصهار التفاصيل مع الكل، والملموس مع المجرد، والكلي مع الفردي، أي بكلمة، انصهار الثنائيات الفلسفية نفسها.

المأساة- المهزلة

انضغاط الزمن وظهور الخط الزمني للحياة بشكله المجرد يدمج الكوميديا بالتراجيديا، يدمج المهزلة بالمأساة. فالتاريخ يعيد نفسه كمأساة ومن ثم كمهزلة، ولكن يبدو أن نفي الإعادة الأولى والثانية هو المأساة- المهزلة، وهذا هو ما نعيشه اليوم. بعض المجتمعات فيها جانب الهزلي أكثر طغيانا، بينما البعض الآخر جانب المأساة أكثر. ولكن ضمن اللوحة الكلية للعالم، فإن المأساة- المهزلة هي الطابع العام المميز. وإذا ما اعتبرنا أن هذه الحالة هي ظاهرة من ظواهر المجتمع في مرحلة تطوره الراهنة، فأن يعكسها الإنسان سلبياً هو أن يفقد جوهرها الثوري- التقدمي، أي بكل بساطة حين يعكس في شخصه وعقله وممارسته هذا التذبذب بين المأساة المهزلة، فسيقع حينها في تناقضها «ثنائي القطب».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1078
آخر تعديل على الإثنين, 11 تموز/يوليو 2022 13:53