من الضمني إلى الصريح على الجبهة الفكرية الأخطر
نعتبر أن المهمة الأساسية على الجبهة الفكرية هي إبراز التدمير الحاصل للعقل الذي يحتل اليوم وزناً نوعياً في البنية الاجتماعية ودوراً مركزياً في الانتقال إما نحو عالم جديد، وإما نحو البربرية. ومن هنا التحذير الدائم حولها، وإلا فإن القوى الحية الناجية من المطحنة الليبرالية وعقلها الأسود ستتقلص وتعويضها من الصعوبة سيزيد من أعباء الصراع أكثر وأكثر.
عن تدمير العقل ووزنه الضخم في الصراع ما بين علوم التربية والسياسة
إذا ما أكّدنا مجدداً على أن التناقض اليوم ما بين الإمبريالية والحياة على الأرض يأخذ على المستوى الاجتماعي شكل تدمير العقل كونه الجانب البشري- العقلي من قوى الإنتاج الذي لا يمكن فصله عن العمل الجسدي بالتأكيد، عندها يمكن القول إنه من الضرورة على الحركة السياسية التي تدافع عن الحضارة البشرية أن تتناول هذا التفكك الحاصل في الواقع، وما يصيب نمط الحياة من تعطّل ووصول التغريب حد تذرير المجتمع إلى الخلية الفردية نفسها كما حاولنا أن نشير في المادة السابقة (العدد الماضي من قاسيون 1070) حول مأسسة الفاشية. هذا التناول يتطلب أولاً أن نبرز العملية الحاصلة، أي كيفية ارتباط أزمة نمط الحياة بالتحولات الروحية- العقلية للفرد. فالإنسان حتى يتموضع في خط تقدمي عليه أن يربط عالمه الخاص، الذي هو اليوم متضخم لدرجات عظمى، أن يربطه بالصراع السياسي المباشر. فهذا العالم الخاص هو ذاته عالم الحاجات والرغبات والمخاوف والصراعات... وهذا لا يكفي اليوم أن يتم تظهيره من خلال المنتج الأدبي الشعري السابق، بل يحتاج أن يصير مدموجاً في المشروع العالمي المواجه للبربرية والانقراض. وفي الحد الأدنى هو أيضاً ضرورة مبكّرة لتحشيد القوى والتماسك ضمن المعارك التي ستخوضها القوى الصاعدة ضمن دولها بالتحديد. ففقدان سيطرة الفرد على العمليات التي تشكّل قاعدة عالمه الروحي- العقلي (أي العالم كما هو بالنسبة للفرد) يقوده بالضرورة إلى تعطّله كإنسان.
وهذا يحتاج إلى تعظيم مكانة هذه القضية اليوم في ممارسة القوى الصاعدة، لمركزية دورها ووزنها مع تعاظم الجبهة الروحية-العقلية التي يجري عليها أخطر أنواع المعارك من أجل منع تبلور أي خط تقدمي فيها. بل يجري كما قلنا مأسسة «عالم روحي أسود» هو الفاشية السياسية العسكرية المباشرة. وهذا ما يسمّم كل النسيج الاجتماعي، تحديداً في تلك المجتمعات التي ما زال فيها هامشٌ أكبر من الانتظام والاستقرار الاجتماعي في نمط الحياة الذي هو النمط الاستهلاكي المفرّغ من المعنى. في حين الدول الأخرى تنزلق أكثر إلى تسمم واسع النطاق عبر انهيار بنية الدولة والمجتمع ككل، وليس فقط تسمماً في العلاقات الفردية.
الضمني إلى الواجهة مجدداً
إذا كانت هناك ضرورة لإبراز الضمني في الخطاب، فسنحاول أن نمارس هذه المنهجية على هذه المادة نفسها لنقول إن ضمنيّ هذه المادة هو أكثر من مجرد توصيف، بل تحذير عبّر عن نفسها طوال المواد السابقة خلال السنين الماضية. بالطبع إن لتوازن القوى المادي كلمة الفصل، أي الوزن الاقتصادي- العسكري بشكل خاص. ولكن مجدداً لا يمكن تقزيم الصراع واختزاله، في حين تجري بالفعل معركة طاحنة على الجبهة الروحية، والتخلي عنها هو بمثابة تهديد لمصير المعركة ككل وخسارة طاقة كامنة ضخمة لصالح عدو الحياة. ووزن هذه الجبهة يوازي باقي الجبهات إذا ما اعتبرنا أن مادة هذه الجبهة ما زالت الحامل البشري لتراث ليبرالي معادٍ طويل، وهي في حدها الأدنى كابح يؤسس للتفكك في ظل التعفن بالمكان، وفي أسوأ الحالات هي قوات هجومية ضد الخط التاريخي المتقدم. ومن هنا أهمية مأسسة المواجهة على هذه الجبهة مقولاتٍ ومشروعاً ومنصات إعلامية ورموزاً وموادّ للمقارنة حول العالم القادم التي تسمح بتلمّس العالم المنشود، خصوصاً في ظل تعقيد الواقع الذي يمنع الغالبية من تبيان البديل بوضوح وربطه بحياتها الخاصة، وسريعاً بالتوازي مع تصعيد الصراع الاقتصادي لأنه بالنهاية المعركة هي على نمط حياة وعالم جديد بكل إحداثياته.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1071