كتب محروقة وفنون مسروقة
في العاشر من أيار عام 1933، أحرق النازيون 20 ألف كتاب أمام 70 ألف شخص تجمعوا في ساحة حرق الكتب في برلين. وشملت أحداث الإعدام الجماعي للكتب 20 مدينة أخرى في ألمانيا. وحرقت كتب ومؤلفات كبار المفكرين الألمان بعد وضعهم على قائمة نازية سوداء لحرق الكتب.
«إنهم ليسوا ألماناً». تلك هي القائمة النازية التي شملت كبار المفكرين والكتاب الألمان مضافاً إليهم مؤلفات المفكرين العالميين والبلدان الأخرى. ووقعت كتب كارل ماركس وسيغموند فرويد على رأس الكتب التي جرى إعدامها في تلك الليلة. بالإضافة إلى مؤلفات كتاب ألمان مشهورين مثل صاحب الروايات الاجتماعية هاينريش مان الذي أصبح عضو أكاديمية الفنون الجميلة في ألمانيا الديمقراطية لاحقاً، والمسرحي والكاتب إريك ماريا ريمارك وكاتب القصة كلاوس مان، والمسرحي الكبير برتولد بريخت، وأعمال الشاعر الألماني الشهير الذي عاش في القرن التاسع عشر هاينريش هاينه، والعشرات من الكتاب الآخرين في ألمانيا. وكذلك كان حال أعمال الكتاب المشهورين في العالم مثل أرنست هيمنغواي والكتب الشيوعية.
سبق ذلك حملة هستيرية في الجامعات والمدارس والمكتبات العامة لجمع القائمة الطويلة من الكتب التي قرر النازيون إعدامها. وفي ليلة إعدام الكتب، دشنت كل الجامعات الألمانية والمكتبات عمليات حرق الكتب في كل مكان إضافة إلى عمليات الحرق المركزية في ساحات المدن. وكان الجميع يلبس الزي النازي، ورفرف العلم النازي فوق الثقافة التي جرى اغتيالها، وفي مقدمتها: الثقافة الألمانية. وتواصلت الاحتفالات الجماعية لحرق مئات الآلاف من الكتب حتى نهاية حزيران في الساحات العامة والجامعات. وكانت هذه الأحداث مؤلمة إلى درجة أن وصفها رئيس البرلمان الألماني في العام 2013: ألمانيا لم تعد بعد إلى السمعة الفكرية العالمية التي كانت تتمتع بها قبل وصول النازيين للحكم.
غادر آلاف الكتاب والفنانين ألمانيا بعد عام 1933، كما غادروا البلدان الأوروبية التي احتلها النازيون فيما بعد لنفس الأسباب. وكان مصير الفنون والمتاحف في ألمانيا والبلدان الأوروبية يشبه مصير الكتب، قسم إلى الحرق والإتلاف، وجرى نهب وسرقة القسم الآخر بهدف بيعه في السوق السوداء التي نشطت بشكل كبير زمن النازية.
أعلن النازيون قائمة إعدام الكنوز الفنية الألمانية كما حال الكتب، بحجة أنها مصنفة كفنون غير ألمانية أو فنون ممنوعة في ألمانيا، رغم أن الفنانين كانوا ألماناً. واستمر نهب وتخريب وحرق الأعمال الفنية حتى قبيل سقوط النازية بفترة قليلة عام 1945.
من يراجع ما كانت تنشره وسائل الإعلام الألمانية في السنوات العشر الأخيرة، سيتفاجأ أن السلطات الألمانية والمتاحف ومؤرخو الفنون يتوصلون حتى هذه السنوات إلى الأعمال الفنية التي فقدت أو سرقت في عهد النازية.
فما حرق منها قد حرق، مثل أعمال الفنان النمساوي الشهير غوستاف كليمت، فبعد موت هتلر وسقوط الرايخ الثالث، قررت منظمات عسكرية تابعة للحزب النازي إحداث المزيد من الدمار وتنفيذ آخر مهمة. ففي الثامن أيار 1945 وصل الجنود إلى قلعة شلوس إيميندورف ذات الحراسة المشددة قبيل تنفيذ الاستسلام الكامل، حيث كان النازيون قد جمعوا في القلعة كمية ضخمة من الكنوز الفنية والتاريخية بينها 50 لوحة من أعمال غوستاف كليمت. وأشعل النازيون النار في القلعة واستمر الحريق عدة أيام، ولم ينجُ من هذا الحريق عمل فني واحد.
ولكن هذه القلعة لم تكن تحوي كل الفنون رغم ذلك، إذ سرق النازيون كميات كبيرة من الفنون التي تعود إلى مختلف العصور، وأزالت لجان المصادرة أكثر من 15 ألف عمل من الفنون الألمانية وحدها، وشمل ذلك لوحات الرسامين وأعمال الموسيقيين والمهندسين المعماريين والسينمائيين، وأعمال النحاتين والفنانين العالميين مثل بابلو بيكاسو وغيره.
ولكن بالتوازي مع حملة التخريب والإتلاف، كانت السرقة تجري لهدف آخر، إذ انتعشت السوق السوداء، وبيعت الأعمال الفنية في كل مكان، وتعجز السلطات الألمانية الحالية عن استعادة تلك الأعمال لأنها أصبحت ملكية فلان وفلان من رجال الأعمال المشبوهين الذين اشتروا الأعمال الفنية من الأسواق النازية السوداء، حتى أن بعضها محفوظ في بنوك سويسرا حتى اليوم ضمن مجموعات خاصة يمتلكها فلان وفلان في كوميديا رأسمالية عصرية فريدة من نوعها، القانون الألماني يريد استعادة الكنوز الثقافية الألمانية ولكن القانون السويسري يمنع ذلك!
وهنا يخطر في بالنا سؤال محير: ماذا فعلت عصابة زيلينسكي النازية أثناء تدمير آلاف التماثيل الفنية السوفييتية؟ هل نهبت شيئاً آخر في الخفاء؟ لا نعلم ذلك بعد. ويخطر على بالنا سؤال آخر: ماذا نهب النازيون الأستونيون الذي يحكمون أستونيا حالياً عندما بدأوا يحطمون التماثيل السوفييتية منذ العام 2007؟ وهل تحولت أوروبا إلى مستودع وسوق سوداء كبيرة للأعمال الفنية والتاريخية المسروقة؟
هذا ليس بالجديد على الأوروبيين، إذ سرقت جيوشهم الاستعمارية منذ القرن التاسع عشر كميات كبيرة من آثار الشرق ووضعوها في متاحف العواصم الأوروبية. كما سرق الغزاة الأمريكيون من آثار العراق وفنونه التاريخية وتراثه كميات كبيرة جداً بعد العام 2003.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1069