موريس نادو
الكاتب والناشر الاستثنائي الذي انطفأ الأحد الماضي في باريس عن مئة عام وعامين، ليس غريباً على القرّاء العرب، حتّى غير الفرنكوفون بينهم. ذلك أنّه قدّم لمعاصريه كتّاباً مثل غومبروفيتش وكيرواك وهنري ميلر، أو جورج بيريك ورولان بارت ورينيه شار وهنري ميشو…
موريس نادو (١٩١١ ـــ ٢٠١٣) ابن القرن العشرين بامتياز، غيّر بعض معادلاته الفكريّة، وطبع ذائقته الأدبيّة، ناقداً وناشراً ومكتشفاً للأصوات البعيدة. الحرب الأولى أخذت منه والده، والحرب الثانية كرّست انخراط ابن الشغّالة في السياسة والمقاومة.
صديق أراغون وأندريه بروتون وجاك بريفير، عبر بالحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يغادره مطروداً، واستسلم للغواية التروتسكيّة، ووضع مؤلّفاً مرجعياً عن «تاريخ السرياليّة». ربطته بسارتر أيضاً علاقة خاصة، وهو أحد موقّعي «بيان الـ ١٢١» من أجل استقلال الجزائر. اشترك في تجربة مجلّة «كومبا» مع ألبير كامو، ثم كتب في الـ «إيكسبرس»، وأدار مجلّة «الآداب الجديدة» حيث نشر إيف بونفوا وصلاح ستيتيه. دافع عن سيلين الملعون، وباشر بنشر الماركي دو ساد. خيباته السياسيّة قادته إلى قناعة راسخة بأن التغيير الوحيد الممكن هو عن طريق الأدب. تنقل بين دور باريسيّة عريقة قبل أن يؤسس منشوراته. ولعل تركته الأهم هي La Quinzaine littéraire، المجلّة الأدبيّة الأسطوريّة التي صنعت كتّاباً، وأطلقت تجارب. قاتل لبقائها، وجعلها تقاوم الموضة بصرامتها وتقشّفها ورصانتها ورهانها على الابداع الصرف. قبل شهر أنقذها مجدداً من الافلاس، وها هو يتركها لنا واحدة من آخر علامات العصر الذهبي لباريس. نادو وجه فرنسا الجميل الذي نفتقده أكثر فأكثر في هذه الأزمنة البائسة.