الطفل الرقمي
ليوبوف تشيريموشكينا ليوبوف تشيريموشكينا

الطفل الرقمي

مر أكثر من عام على إدخال التعليم عن بعد. من الواضح: أن الانتقال إلى هذا الشكل كان إلى حد ما لأسباب موضوعية «جائحة كورونا». ومع ذلك علينا أن نعترف للأسف، أن العالم الواقعي قد خسر قلوب وعقول الأطفال. والآن تتشكل قدرات الطفل واحتياجاته ووعيه من خلال الواقع الافتراضي.

فانحسار التجربة الحسية لطفل يقضي في بيئة افتراضية لمدة 6-8 ساعات يومياً، والتقليل من الاتصال بالواقع له تأثير سلبي على العمليات العقلية، مما يؤدي إلى تشويه وانتهاك أنماط نمو الوظائف العقلية العليا.
إن عدم الحاجة إلى دراسة خصائص الأشياء والظواهر الحقيقية، واستهلاك المعلومات المعالجة والمعبأة ينتهك التوجه في المكان والزمان والقدرة على التحليل والمقارنة الإنتاجية، ويمنع تطوير المهارات اللازمة وتسليط الضوء على الأساسي والثانوي، وإنشاء علاقات السبب والنتيجة وإثبات الاستنتاجات. إن غلبة الحفظ قصير المدى للمعلومات الواردة على حساب معالجتها الدلالية هو أحد الأسباب الرئيسية لضعف استيعاب المواد التعليمية، وعدم القدرة على إعادة الإنتاج المطلوبة لها.
وهنا يعاني التفكير التصويري واللفظي المنطقي، ويحرم السلوك الإنساني بالتعسف. إذ لا تستطيع البيئة الافتراضية والتفاعل الافتراضي تشكيل شخص له وجهات نظر واسعة وعميقة حول معاني الحياة، بل يشكلان موضوعاً للنشاط المفروض، لأن تكوين المعنى وتحديد الأهداف يتم استبدالهما بتقييمات شخص آخر للأحداث الجارية.
إن السلوك العدواني لمناصري التحول الرقمي للتعليم أمر مذهل. في ظل عدم وجود دراسات نفسية، ونفسية فيزيولوجية جادة، لعواقب التعليم الإلكتروني، حيث أصبح التقنيون والمديرون والمعلمون الذين انضموا إليهم بخلفية تعليمية وبحثية «مشكوك فيها» أصحاباً للتحول الرقمي. وحتى في المؤتمرات العلمية التي تناقش قضايا الساعة، يتم تجاهل آراء أولئك الذين يعبرون عن شكوك حول فائدة مثل هذا التحول ومدى ملاءمته.
وبدون الدراسات حول تأثير الكمبيوتر على الصحة البدنية للطفل، وتأثير البيئة الافتراضية على الذكاء والقدرات، وعلى الاحتياجات والوعي الذاتي، لا يمكن أن يكون هناك أي مجال لتطبيق رقمي واسع النطاق للتعليم.
ما هي المدة التي يمكن أن يتفاعل فيها الطفل مع الكمبيوتر دون الإضرار بصحته؟ ما لا يزيد عن ساعة واحدة يومياً. لكن ليس فقط أطفال المدارس والطلاب، بل إن أطفال ما قبل المدرسة يعيشون في بيئة افتراضية معظم يومهم.
أظهرت الدراسات الاستقصائية التي أجريناها على الطلاب وأولياء أمورهم، والتي أجريناها منذ أكثر من 10 سنوات، أن ضعف البصر وعواقب الخمول البدني هي سمة لغالبية أولئك المنغمسين في الواقع الافتراضي. ووفقاً لبياناتنا، يمثل هذا أكثر من 90٪ من المستخدمين النشطين.
وتميّزَ الذين تزيد خبرتهم عن 6 سنوات بوجود مشاكل عصبية. ويستمر سن المدرسة، كما تعلمون لفترة أطول، لذا تزداد احتمالية الإصابة بالأمراض كل يوم.
أقتبس من مذكرة للآباء: مدة الاستخدام المستمر لجهاز كمبيوتر مزود بشاشة بلورية سائلة في الفصل لا تزيد عن 20 دقيقة للطلاب في الصفوف من 1 إلى 2، للطلاب في الصفوف 3-4 ما لا يزيد عن 25 دقيقة، للطلاب من 5 إلى 6 لا تزيد عن 30 دقيقة، وللطلاب في الصفوف 7-11 حوالي 35 دقيقة. فكيف ترتبط المعايير بتطوير الدروس هنا؟
ماذا يحدث؟ من ناحية، فإن القيود الزمنية المفروضة على استخدام الكمبيوتر واضحة، ومن ناحية أخرى، فإن الرقمنة واسعة النطاق لواقع المدرسة والجامعة واضحة تماماً. هل هذا يعني أنه لم يتم التحقيق في التأثير السلبي للإشعاع الكهرومغناطيسي من جهاز كمبيوتر، أو الأسوأ من ذلك أنه يتم التستر عليها؟
لقد وهبتنا الطبيعة خمس حواس، لكن الشخص الذي يستخدم الكمبيوتر يستخدم في الغالب البصر والسمع جزئياً. ويعاني النظام التحليلي الملموس بشكل خاص. ويُحرم الطفل الذي يقضي معظم اليوم على الإنترنت من إدراك الأشياء الحقيقية، فواقع المدرسة يساعد بنشاط مثل هذا الحرمان اللمسي. إذ يتم تقليل عدد الأعمال المختبرية، ويتم استبدال مبدأ الوضوح عند شرح مادة جديدة بالعروض التقديمية. وأصبحت الرحلات إلى الطبيعة والتمارين العملية في فصل دراسي مجهز أكثر صعوبة في التنظيم والتنفيذ.
ويحدث ذلك ليس في المدرسة الثانوية فقط، بل في الصفوف الدنيا أيضاً. على سبيل المثال: اختفى «الخط» من برامج التعليم الابتدائي. أنا لا أتحدث فقط عن الكتابة اليدوية الخرقاء، ولكن هناك أيضاً عواقب أكثر خطورة -انتهاك أنماط تشكيل النظام الوظيفي. ولا يتلقى الطفل هنا المعايير الحسية والدلالية للكلام المكتوب المتعلم، وهذا بدوره يترك بصمة على قدرة التفكير.
في نهاية العام الدراسي الماضي، شارك والد طالب في الصف الثامن انطباعاته عن دروس الرسم: يتم إعداد الرسومات في دفتر عادي، ولا تتطلب أية تسميات أو تمسك بالأبعاد. هل من الضروري توضيح أن التمثيلات المكانية هي الأكثر تطوراً في عملية صنع الرسومات وقراءتها، ويجب أن يحدث هذا في تفاعل مباشر مع المعلم. إن إفقار المجال الحسي يعيق تطور التفكير التخيلي. أعلم من الطلاب أن بعضهم يفتقر إلى القدرة على تخيل مربع ورسم قطري عقلياً!
ماذا يحدث للذاكرة؟ لقد اعتاد الأطفال بالفعل على حقيقة أن الإنترنت في متناول اليد دائماً. يبدو لهم أنهم يتذكرون كل شيء ويتم توجيههم في كل شيء، لكن معرفة مكان وكيفية الحصول على المعلومات لا يجعل الطفل أكثر ذكاءً. كل «معرفته» تعتمد على وسيط خارجي. لكن الذاكرة لا يمكن تشبيهها بمستودع للمعلومات، فالذاكرة هي أساس وعي الشخص.
لقد رأينا أمثلة على تشوه الوعي والوعي الذاتي للأطفال من مختلف الأعمار في السنوات الأخيرة بانتظام يحسدون عليه. ويمكن للمدرسة تغيير هذا الاتجاه، لأنها هي التي تنظم النشاط، ويجب خلق الظروف للنشاط الهادف اجتماعياً. حيث يجري تكوين وعي الطفل في تلك النشاطات كمواطن وطني مبدع وناشط. اسمحوا لي أن أؤكد: الأنشطة موجودة في العالم الحقيقي، في عالم الأشياء الحقيقية والظواهر الحقيقية والمعلمين الحقيقيين.

* ليوبوف تشيريموشكينا، دكتوراه في علم النفس. وبروفيسورة في جامعة موسكو الحكومية التربوية.

نقلاً عن جريدة ليتيراتورنايا غازيتا

معلومات إضافية

العدد رقم:
1047
آخر تعديل على الإثنين, 06 كانون1/ديسمبر 2021 17:30