تكايا ليبرالية!
ما الذي يجمع «الثقافة» الليبرالية مع الفكر الديني؟
هذا سؤال واقعي غير عبثي يفرضه توافق مواقف وآراء ممثلين عن هذين «المكونين» حول الأزمة السورية، وحتى في خارطة التحالفات بين أقلام ونخب ليبرالية سورية معارضة من المفترض أنها تستند في خطابها الثقافي إلى «تمجيد الحرية الفردية»، و«دولة القانون»، وبين قوى دينية تعتبر نفسها «وكلاء الله على الأرض» وتتحدث على طريقة «الحكم الملكي المطلق»..!؟
هل نتجنى على أحد إذا قلنا إن هذين «النقيضين» شكلاً، والمتوافقين في المواقف، هما بالمعنى الاستراتيجي أدوات تسويق مشروع واحد، أليست القوى التكفيرية قوى تفتيت طائفية، وتعمل على تهشيم بنية الدولة؟ وأليست القوى الليبرالية هي من تروّج لـ«ديمقراطية المكونات»؟
إن هذا «الوعي» الهجين الجامع بين «المتناقضات»، هو إحدى أدوات فرض «ثقافة» جديدة، مغتربة عن حاجات الواقع، فهي من جهة انزلاق نحو ما يسمى «الحداثة الغربية»، ومن جهة أخرى، اغتراب نحو مدرسة دينية تنتمي إلى عصور غابرة، بغضّ النظرعن أن الخيط السري الذي يربط بين هذا وذاك هو نتاج مستوى معرفي محدد، أو نتاج دوائر بحثية متخصصة تعمل في مجال الحرب الإعلامية النفسية، و«محاولة تعميم الغباء» عبر محطات إعلامية باتت أشبه بـ«التكايا» أو «المآتم» في التباكي على الدم.
إن المهمة الموكلة إلى هذا الثنائي، لمحاولة الهيمنة على الوعي الاجتماعي، تستند إلى دغدغة حاجات حقيقية مادية وروحية للناس. فالعسف والاضطهاد والفقر والبطالة والتهميش، والإحساس المزمن بالكبت يتطلب الحديث عن الحرية، والعدالة والمساواة، والإخاء.. تماماً مثلما الشعور بالعجز و«سيكولوجيا الإنسان المقهور»، والرغبة في الانعتاق يتطلب البحث عن قوى خارقة، و«جنود لم تروها» قادرة على صنع المعجزات. ولأن هذا الثنائي يحاكي تلك الحاجات فإنه قد يجد حظوظاً تسويقية وترويجية في بعض الأحيان.
مأزق هذا «الحطام» الثقافي، أنه يأتي في مرحلة نشاط سياسي عال للجماهير، وقبضات قادرة على هدم كل ما هو بائد، بما سينتج بالضرورة وعياً جديداً، للوصول إلى بنى تاريخية جديدة، أحزاباً وأنظمة ومجتمعات.
برامج «ليبرالية العمامات» هي برامج جديدة شكلاً فقط، وهي غلاف لوجوه قميئة مهما أجريت لها من عمليات تجميل. وبعبارة أوضح إنه برنامج مفلس بحكم عجزه عن تلبية الحاجات الحقيقية للإنسان.