تاريخ الجوع عند ممدوح عدوان

تاريخ الجوع عند ممدوح عدوان

الأديب السوري ممدوح عدوان «1941-2004» واحد من أهم الأدباء السوريين. ولد في قرية قيرون قرب مصياف بمحافظة حماة، وعمل في بداية حياته بالصحافة والتلفزيون، وله العشرات من الكتب التي تنوعت بين الشعر والمسرح والقصة والترجمة والنقد الأدبي.

ومن تلك الأعمال ما تحدث عن فترات سابقة من تاريخ السوريين، عندما كان الجوع يخيم على البلاد، مثل: مسرحية «سفربرلك، أيام الجوع» وقصيدة «الجوع يسرق المدينة».

مسرحية سفربرلك

سفربرلك، واحدة من مسرحيات الراحل ممدوح عدوان، نشرت في ملحق العدد 41 من مجلة «الحياة المسرحية» عام 1994. وتحكي عن فترة عانى فيها السوريون من الجوع والمجاعة.
يقول ممدوح عدوان: «في هذه التجربة وجدت نفسي مضطراً لاستخدام العامية لأن سفربرلك معنّي بالتوثيق والتسجيل والتأريخ والتأصيل الفولكلوري لبيئة جبلية فلاحية في الربع الأول من القرن العشرين».
وفي مسرحية سفربرلك التي تتحدث عن أيام الجوع، مشاهد مسرحية عن حياة الفلاحين السوريين القاسية أثناء الحرب العالمية الأولى، اعتمد فيها عدوان على وثائق كتبها فلاحون على شكل قصائد وأغانٍ ومذكرات بالعامية أو الفصحى المكسرة. وتصور المسرحية كيف كان الفلاحون يحترقون بنار الجوع ونار الحرب.

الجوع يسرق المدينة

نشر الراحل ممدوح عدوان قصيدته «الجوع يسرق المدينة» في العدد السادس من مجلة الآدب بتاريخ 1 حزيران 1972، ومنها المقاطع التالية:
«1»
لم يزل فقراء القرى يأكلون البذار
لقمة توقف الجوع، وليهجم السيل
مستقبل الجوع أوضحه أمسه
والخواء يفرخ وسط الجرار
لم يزل فقراء القرى يولدون من الكسل المر
ينمون فيه عجافاً ثمار السنين العجاف
يروضهم جوعهم ليظلوا خراف
يفقدون الدموع وتبقى العيون الكسيرة
يستوي الأمر، هذا البوار كهذه المواسم
إذ لا يرون القطاف
حصة الجوع ليست سوى حرقات الليالي المطيرة
في ملاهي المدينة يعلو الضجيج عن الحق والمدن الذائبة
في مقاهي المدينة يتصاعد الصوت مثل الستار
فيخبئ جوع القرى بحرارته الكاذبة
ويغلق في أوجه البائسين أسس المثل الخائبة
في نساء المدينة يضحي الطعام أجور البغاء
تبدل أنثى المدينة روادها
مثلما بدلت نسوة الفقراء الألم
وأنا في زمان الطوى حرقة غاضبة
«2»
حاملٌ منذ جئت نحول القرى المتعبة
حاملٌ شهوة للرغيف وللفرح المستحيل
ولحم النساء وبعض الجنون
كل يوم أبلل وجهي لأغسل عنه الندام
كيف أمحو ملامحه المذنبة؟
أرسم البسمات فأطلي ندوب ضغينة أهلي
التي ضيعت في المواسم
انقل الخطو محترساً وأخبئ حقدي كخنجر آثم
أسرق الضحكة والجسد المستباح
وأكشف وسط العناق الرياء
وأعود إلى بيتنا مثقلاً بالغنائم
فأعانق أهلي ونقتسم الضحكات
لأنا استدنا دموع التعازي
وضحكات أفراحنا وسواد المآتم
وأنا حامل دمهم
كل ثأرٍ يخبئه المتخمون
كل ثأرٍ توزع بين القرارات والأمنيات التي علبت
والدموع التي حولت للمساحيق ماء
وأنا حامل دم أهلي الذين تزور آلامهم
كل صبح وكل مساء
وأنا أعرف الجوع إذ يتنكر صومٌ وأكل بذار
وانا أعرف الخوف إذ يتبدل تقوى وحب شجار
وأنا أعرف الذل إذ فرضوه قناعة نكران هذه الحياة
جوعهم كافر
صار ذاكرة وبطوناً مورمة
وجلود صبايا مهدلة
وامتناناً لفضل السماء
«3»
يا بلادي التي علمتني البكاء
ما الذي سوف تعطيني في المفاجأة المقبلة
بعد ما حطم الجوع والخوف في جبهتي الكبرياء
ما الذي أسأل الآن والأسئلة
وقفت تتزاحم خلف كوى ادمعي المقفلة
لم تعد لي وقفة الصمت وسط الشقاء
قبل أن تسقط المقصلة
وأنا في بلادي التي لست اقوى على هدم أبراج آلامها
لسقت اقوى على الصمت في بؤسها
لست اقوى على هجرها واجتياز الحدود
سرق الجوع منا البلاد، فقال الولاة:
لا تضيع المدينة حتى تصير بأيدي الغزاة
قل إذن: ما اسمه حين تأكل كل البذار ومدخرات الشتاء؟
ما اسمه النوم خوفاً، أو الرقص خوفاً أو الضحك خوفاً؟
أو العيش في مجزرة؟
ما اسمه حينما يُقفل الباب نحو غد الفقراء؟
لا تقل لي: بلادك محمية بجنود تخفوا فلم أرهم
سأقول: بلادك محتلة بجنود تخفوا فلم ترهم
وأقول: البلاد مزورة
وجلود البنين خوت لا تضم سوى التبن
كيما تظل البلاد حنوناً تدر الحليب
وأنا أترامي قتيل كوابيسها والهزال
أفتح العين صبحاً فأبصر زهر حدائقها تنكاً
ثم تمسي الحدائق عند الدجى دركاً
وبلابلها تختم اليوم بالتبغ
تبدأ صبح الغناء سعال
وقتيل المجاعة يصرخ فيها كلال
فاسمع الصوت:
هذي بلادي التي عشت فيها كميت
وليست بلادك حين تبيع ثراها سلالاً سلال
واسمع الصوت:
هذي بلادي التي جعت فيها
وليست بلادك أنت الذي لا تراها سوى وجبة غداء

معلومات إضافية

العدد رقم:
966
آخر تعديل على الأربعاء, 20 أيار 2020 15:06