دائرة طباشير بريخت القوقازية
وصفته الصحافة الألمانية الحديثة بأنه الشاعر الذي أضاء الزمن المظلم، ويقول برتولد بريخت الذي أضاء ذلك الزمن: «صعب هو العيش في بلد فاقد لحس الدعابة، لكن لا يحتمل أبداً العيش في بلد تحتاج فيه لحس الدعابة كي تستمر بالحياة».
أوبرا القروش الثلاثة
كتبت «دوتشيه فيلله» الألمانية، لم يؤثر كاتب في المسرح الألماني مثلما فعل برتولد بريخت، ولم يجدد أحد في المسرحيات الألمانية شكلاً وموضوعاً مثلما فعل رائد المسرح الملحمي.
لم ينحصر تأثير بريخت على المنطقة الألمانية فحسب، إذ ترجمت أعماله إلى معظم لغات العالم، وكان خلال الأربعينات والخمسينات من أكثر الكُتّاب حضوراً على خشبة المسرح العالمي. كما كان حاضراً بقوة في العالم العربي خلال ستينات القرن الماضي. آنذاك انتشرت ما يشبه «حمى بريخت» في أنحاء المنطقة العربية، فأصابت أكثر من مترجم تنافسوا على نقل عدد كبير من مسرحياته، مثل «الاستثناء والقاعدة» و«دائرة الطباشير القوقازية». أما مسرحية «أوبرا القروش الثلاثة» فقد تم اقتباسها في أكثر من بلد عربي، ونذكر مثلاً مسرحية «ملك الشحاتين» للشاعر المصري نجيب سرور، ومسرحية «عطوة أبو مطوة» للكاتب المصري ألفريد فرج.
الحديث عن الأشجار
ولد بريخت في أوغسبورغ عام 1898، هو شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني. يعد من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين. ومن الشعراء البارزين في ألمانيا.
يقوم مذهبه في المسرح على فكرة أن المشاهد هو العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحي، فمن أجله تكتب المسرحية، حتى تثير لديه التأمل والتفكير في الواقع، واتخاذ موقف ورأي من القضية المتناولة في العمل المسرحي. ومن أهم أساليبه في كتابة المسرحية:
هدم الجدار الرابع: ويقصد به جعل المشاهد مشاركاً في العمل المسرحي، واعتباره العنصر الأهم في كتابة المسرحية. والجدار الرابع معناه أن خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون، ويقومون بأدوارهم، هي تشبه غرفة من ثلاثة جدران، والجدار الرابع هو جدار وهمي وهو الذي يقابل الجمهور.
التغريب: ويقصد به تغريب الأحداث اليومية العادية، أي جعلها غريبة ومثيرة للدهشة، وباعثة على التأمل والتفكير.
المزج بين الوعظ والتسلية، أو بين التحريض السياسي وبين السخرية الكوميدية.
استخدام مشاهد متفرقة: فبعض مسرحياته تتكون من مشاهد متفرقة، تقع أحداثها في أزمنة مختلفة، ولا يربط بينها غير الخيط العام للمسرحية. كما في مسرحية «الخوف والبؤس في الرايخ الثالث» 1938. فقد كتبها في مشاهد متفرقة تصب كلها في وصف الوضع العام لألمانيا في عهد النازية، وما فيه من القمع والطغيان والسوداوية الذي ينبئ بحدوث كارثة ما. كما استخدم بريخت في مسرحياته أغنيات بين المشاهد، وذلك كنوع من المزج بين التحريض والتسلية.
يقول بريخت: أي زمن هذا الذي يكاد يُعد فيه الحديث عن الأشجار جريمة لأنه يتضمن الصّمت على العديد من الفظائع؟
بهذه الكلمات لخص مأساة جيله، وتراجيديا الشعر في زمن الحرب. استُدعي بريخت للتجنيد خلال الحرب العالمية الأولى، فخدم في مستشفيات الجيش، وهناك عايش عن قرب أهوال الحرب، ومن هذه التجربة نبع رفضه التام لكل الحروب. توقف بعد ذلك عن دراسته في كلية الطب وترك مسقط رأسه أوغسبورغ متوجهاً إلى برلين، حيث انطلق فيها كاتباً مسرحياً، فنشر أول أعماله بعنوان «بعل» عام 1920، وبعد ثلاث سنوات نشر مسرحيته الكوميدية «طبول في الليل» وفيها نقرأ جملته التي وجهها للجمهور بعد ذلك في أكثر من عمل، وهي: لا تحملقوا هكذا برومانسية.
ونجد في أعماله حيرة إزاء العالم وقضاياه، ففي نهاية مسرحيته «الإنسان الطيب في ستشوان» يقول بريخت: نقف هنا مصدومين، نشاهد بتأثر الستارة وهي تغلق وما زالت كل الأسئلة مطروحة للإجابات. وفي مسرحية «حياة غاليليو» التي كتبها عام 1943 في المهجر في الدانمارك، تدور الأحداث حول عالم الفيزياء الإيطالي غاليليو، الذي يتراجع أمام سلطة الكنيسة، ويتخلى عن إنجازاته وأعماله العظيمة خوفاً من التعذيب والحرق. وترمز هذه المسرحية إلى وضع العلماء الألمان بعد تولي هتلر السلطة في ألمانيا.
استقر المقام بالشاعر في الولايات المتحدة، غير أنّ حملة المكارثية المعادية للشيوعية طالته عام 1947، فعاد إلى أوروبا، ثم استقر في برلين الشرقية. وفي عام 1956 رحل الشاعر ورائد المسرح الملحمي بعد حياة قصيرة، غزيرة الإنتاج، عميقة التأثير.
حكم بريخت الفلسفية
الجريمة الأعظم من سرقة البنك، هي تأسيس بنك.
يحتاج الكل لمساعدة الكل.
لأن الأشياء على حالها فإن الأشياء لن تظل على حالها.
أيها الجائع تناول كتاباً، فالكتاب سلاح.
هل ترى؟ ماذا ترى؟ لا تستطيع أن ترى شيئاً، إنك تنظر فحسب، وأن تنظر لا يعني أنّك ترى.
في البدء يكون الخبز، ثم تكون الأخلاق.
حقاً إنني أعيش في زمن أسود. الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها. الجبهة الصافية تفضح الخيانة. والذي ما زال يضحك لم يسمع بعد، بالنبأ الرهيب. أي زمن هذا؟
ليس من الضروري أن تكون هزائم وانتصارات من هم في القمة هي نفسها هزائم وانتصارات من هم في القاع.
لا يمكن لمجتمع أن يتواصل طالما كان مقسماً إلى فصائل متحاربة.
لا يستطيع الكتَّاب أن يكتبوا بالسرعة التي تشعل فيها الحكومات الحروب، فالكتابة تحتاج إلى بعض التفكير.
من يناضل ربما يخسر، ومن لم يناضل فهو خاسر بكل الأحوال.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 937