كيف سقينا مناجم الفحم
تصور فصولها نضال العمال من أجل مستقبل أفضل، وتصف بدقة قمع البرجوازية للطبقة العاملة في القرن التاسع عشر، وقساوة حياة العمال في المناجم الفرنسية.
«غيرمينال» هي رواية نشرها الأديب الفرنسي إميل زولا عام 1885، زولا الذي قدم بطلاً جماعياً في روايته «عمال المناجم». ما جعلها عملاً فريداً فى الأدب الفرنسي وبين أعمال زولا نفسه.
من هو إميل زولا؟
على الرغم من وجود شاهدة قبر لإميل زولا في مدافن مونتمارتر، إلا أن رفاته مدفونة في مقابر العظماء إلى جانب شهداء كومونة باريس، حيث دُفن في سرداب مع فيكتور هوغو.
توفي زولا مختنقاً بأول أكسيد الكربون الذي انبعث عندما توقفت إحدى مداخن المنزل عام 1902. وكان عمره حينها 62 عاماً. وقد شكّ البعض في اغتياله علي يد أعدائه لوجود عدة محاولات سابقاً، ولكن لم يتمكن أحد من إثبات ذلك. وبعد عشرات السنين من هذا الحدث، اعترف واحد من سكان باريس وهو على فراش الموت، بأنه هو الذي أغلق فوهة المدخنة لأسباب سياسية.
ولد إميل زولا في باريس عام 1840. وانتقلت الأسرة إلى جنوب شرق البلاد، عندما كان يبلغ إميل زولا من العمر ثلاث سنوات. وفي عام 1847، توفي والده، تاركاً والدته تقتات على معاش ضئيل. في عام 1858، انتقلت العائلة مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى باريس حيث كَوّن إميل صداقة مع الرسام بول سيزان، وبدأ الكتابة مستخدماً أسلوباً رومانسياً. وكانت الأم قد خططت لزولا أن يمتهن القانون، وأن يعمل في أية وظيفة في هذا المجال، لكنه رسب في الاختبار.
عمل زولا ككاتبٍ في شركة للنقل البحري، ثم في قسم المبيعات للناشر هاتشيت. كما كتب في الصحف. ولم يُخفِ كراهيته لنابليون الثالث، الذي نجح في ترشيح نفسه لمنصب الرئيس، وتنفيذ انقلابٍ جعله الإمبراطور فيما بعد. وكان زولا قاسياً في آرائه كما أظهرت كتاباته.
المذهب الطبيعي في الأدب
نشأ المذهب الطبيعي في فرنسا عام 1880، وتميز بالنزوع إلى تطبيق مبادئ العلوم الطبيعية وأساليبها، وبخاصة تطبيق النظرة الداروينية إلى الطبيعة، على الأدب والفن.
يعتبر إميل زولا مؤسس هذا المذهب، وأكّد في «الرواية التجريبية» عام 1880 التي تعدُّ البيان الأدبي لهذا المذهب، على أن الروائي ينبغي ألَّا يبقى مجرّد مراقب يكتفي بتسجيل الظواهر، بل أن يكون «مجرّباً» يُخضع شخصياته وأهواءها لسلسلة من الاختبارات، ويعالج الوقائع العاطفية والاجتماعية كما يعالج الكيميائي المادة.
صورة القرن التاسع عشر
استطاع زولا نقل صورة الصراع الطبقي والانقسام السياسي بين الأحزاب المختلفة في فرنسا القرن التاسع عشر. حيـث تدور أحداث الروايـة الأساسية، منذ وصول العامل الشاب إتيان لانتييه إلى المناجم، وحتى عودته إلى باريس. ولانتيه هو مُنظّم من أنصار الأممية الأولى.
وكان السجال بين الطروحات السياسية المختلفة ظاهراً، وخاصة بين أنصار ماركس والأممية الأولى من جهة، وبين أنصار باكونين والجماعات الفوضوية ذات النزعة العدمية من خلال شخصية الفوضوي الروسي الأصل سوفارين.
غير أن سوفارين ليس هو، بطل الرواية. بل إن البطولة هنا جماعية، معقودة للقوتين المتجابهتين: العمال والبرجوازية. فإتيان هو في الأصل عاطل عن العمل، يعيش في باريس ويمضي وقته بحثاً عن عمل. وحين يجد أن الدروب كلها، سدت في وجهه، يتوجه إلى مناطق الشمال الفرنسي، بلاد المناجم المسماة «أرض الكورون» والملقبة أيضاً بأرض الوجوه السوداء، انطلاقاً من لون غبار الفحم الذي يغطِّي وجوه الناس والعمال هناك طوال الوقت.
عندما يصل إتيان إلى مناطق الشمال ينضمّ إلى عمال المناجم، وسرعان ما يجد نفسه في خضمّ نضالاتهم، وبرفقة واحد من زعماء العمال وهو توسان ماهو. وهنا في بلاد الكورون إذا كان العمل متوافراً، على عكس ما هو الأمر عليه في باريس حيث البطالة المنتشرة، فإنه عمل بائس بالكاد يقي أصحابه من البؤس والجوع. بل إن شركات المناجم الاحتكارية التي تتواطأ معها السلطات حيناً، وتنافسها في الاحتكار وفي قمع العمال حيناً آخر، تنتهز كل فرصة ومناسبة حتى تمعن في استثمار العمال وإذلالهم وخفض أجورهم أكثر وأكثر.
الإضراب
في ظروف الحياة القاسية يندلع إضراب العمال، لكنه ليس إضراباً ذا اتجاه وقيادة واحدة. فإذا كان إتيان لانتييه، يتزعم جانباً من الإضراب، باسم أفكار ماركسية، ويعمل لضم جمهور العمال إلى الأممية الأولى التي كانت نشأت لتوّها في لندن، فإن سوفارين، يريد أن يوجه التحرك صوب نزعة فوضوية تعتمد اللجوء إلى الإرهاب والعنف وسيلة لتحقيق المطالب، وفي مقابل هاتين النزعتين، هناك أيضاً العمال المتعاونون مع السلطات، والاستفزازيون. ومن بين هؤلاء العامل شافال، الذي كان أوقع في حبائل غرامه، الحسناء كاترين ماهو، شقيقة توسان، والتي كان إتيان قد شعر، منذ وصوله إلى المنطقة وارتباطه بتوسان، باندفاع نحوها.
مهد زولا المسرح للأحداث الخطيرة والمميتة التالية حول إضراب عمال المناجم الذي يقود جانبه الأساسي إتيان لانتييه، مجابهاً الشرطة وبقية المتعاونين مع رجال الشرطة والشركات الاحتكارية. وسرعان ما تحول الإضراب بناء على تحالف السلطات مع الشركات، إلى لعبة عض الأصابع. فالعمال يضربون والشركة تمتنع عن دفع مرتباتهم. وهكذا، بقدر ما تمضي الأيام، يتدهور وضع العمال ويبدأ المترددون بالتراجع.
وهناك في دهاليز المناجم حيث الموت والبؤس، يحرك الفوضوي سوفارين مؤامراته وأغرق الدهاليز بالمياه، بفعل العمل التخريبي، وهكذا يقضي هذا العمل على أعداد إضافية من العمال بعدما كانت المجابهة الدامية مع رجال الشرطة قد قضت على أعداد منهم بين قتيل وجريح.
وفي عام 1993، انتجت السينما الفرنسية فيلماً ملحمياً يستند إلى رواية إميل زولا. من إخراج كلود بيري وتمثيل جيرار ديبارديو وآخرين. وكان أغلى فيلم فرنسي يتم إنتاجه في ذلك الوقت. ورابع أكثر الأفلام حضوراً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 927