حمام القيشاني بالأحمر «1»
بدأت إحدى القنوات الفضائية السورية الخاصة بعرض مسلسل «حمام القيشاني» بشكل يومي منذ فترة، وهو مسلسل سوري يتكون من 5 أجزاء «الجزء الأول من إنتاج عام 1994، والجزء الخامس من إنتاج عام 2002». تأليف دياب عيد وإخراج هاني الروماني. عرض العمل وقائع تاريخية في حارة سورية هي «حمام القيشاني» والتي يحمل المسلسل اسمها. ويعتبر من المسلسلات السورية التي حققت نجاحاً جماهيرياً.
يندرج المسلسل بأجزائه في إطار الأعمال الاجتماعية ذات الخلفية التاريخية والسياسية لسورية. بدأت أحداث المسلسل السوري الأطول في ذلك الوقت أيام الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان، في بداية الأربعينيات مروراً بانتفاضة الجلاء ومعارك 29 أيار، إلى فترة الصراع السياسي سنوات الخمسينات من تعاقب الانقلابات وانتخابات 1954 البرلمانية والوحدة السورية المصرية حتى عام 1963.
رؤية المخرج
حاول المخرج استعادة تفاصيل تلك المرحلة التاريخية. ويصف هاني الروماني الأسلوب الإخراجي الذي يقدمه في المسلسل بالواقعية، حيث تمّ التعامل مع أداء الممثل وأماكن التصوير بحيادية ومصداقية تقترب كثيراً من الحالة والجو العام الذي كان سائداً في تلك الفترة، سواء من ناحية الديكورات الخاصة بالعمل، أو من ناحية الملابس والأزياء التي كانت دارجة في تلك الفترة، حتى أماكن التصوير الخارجية، والتي تم اختيارها بعناية فائقة وبواقعية شديدة.
قال المخرج في أحد اللقاءات الصحفية:
هذه هي المرة الأولى في مسيرة الدراما السورية التي نلجأ فيها لتقديم عمل درامي فني عبر خمسة أجزاء «الحديث في عام 2002»، وهذا دليل على أننا قدمنا عملاً استثنائياً يؤسس لمشاريع فنية لاحقة ضمن هذا الإطار لذلك لابد أن يكون جهداً واضحاً مع التميز في ناحية الخيارات الفنية وطرق المعالجة والتنفيذ الدرامي لمسلسل طويل تجاوزت عدد ساعاته الـ 150 ساعة تلفزيونية.
كاتب السيناريو والرقابة
يصف الكاتب دياب عيد مسلسل حمام القيشاني بالقول:
أنا سعيد لأن الجمهور استطاع أن يتفاعل مع هذا العمل الفني عبر أجزائه المختلفة، والتي تجاوز كل جزء فيه الثلاثين حلقة، وهذا دليل على أن الجمهور أدرك أهمية تقديم عمل تاريخي اجتماعي على خلفية سياسية يتناول فترة مهمة للغاية في تاريخ سورية المعاصر.
أما حول المصداقية وحدود الرقابة في العمل، فقد صرح الكاتب لإحدى الصحف: «لا أبالغ إذ قلت إن علاقتي مع الرقابة كانت شكلية للغاية، خاصة وأنني اعتمدت مبدأ الحيادية والمصداقية وعدم الانحياز لأي حزب أو تيار سياسي في تلك الفترة مع أنني عشت هذه التجربة من قبل! لكن الأمانة الأدبية جعلتني أنظر إلى هذه الأمور من ناحية المصلحة العامة والتاريخ الذي يجب أن نقدمه بأمانة للأجيال التي قد لا تعرف الكثير عن هذه المرحلة! ولهذا السبب حاولت قدر الإمكان تقصي الحقيقة والموضوعية معتمداً في ذلك على الصحف والمجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة، وكذلك على رؤيتي وتحليلي للأمور ككاتب وشاهد حي على هذه المرحلة الهامة التي تعني الكثير بالنسبة للتاريخ والوطن.
وعن مدى الأمانة التي تم فيها نقل الأفكار العامة في المسلسل قال الكاتب دياب عيد: «هناك مصداقية فنية في التعامل مع المخرج الذي تحمس للنص منذ بدايته ومنذ قراءته الأولى له، لم أجد أية مشقة أو خلاف مع المخرج الذي شجعني كثيراً على إكمال المشروع الفني بأجزائه المختلفة».
تقديم صورة سياسية للبلاد
يبدأ الجزء الأول من مسلسل «حمام القيشاني» بتحضيرات معارك الجلاء عام 1945، التي قصف فيها الفرنسيون مدينة دمشق ودمروا البرلمان ونفذوا مجازر رهيبة في البلاد. وتدور أحداث هذا المسلسل في دمشق ابتداءً من استقلال سورية وخروج الفرنسيين منها عام 1946، وانتهاءً بحرب فلسطين عام 1949. بينما تدور أحداث القسم الثاني مع انقلاب حسني الزعيم وانتهاء بانقلاب أديب الشيشكلي عام 1953.
أما العائلات الدمشقية التي تتناوب عليها الأحداث فيه: عائلة القناديلي، وعائلة أبو الورد، وعائلة الدلال، وعائلة نادر مقصود، وفي الجزء الثاني: عائلة تيسير جمعان، وعائلة البيا، مع شخصيات مستقلة تمثل فيها أدواراً رئيسة أهمها: عمران المسكاوي وبهجت الرماح ومحي الدين النجار.
يصور المسلسل أفول الأحزاب التقليدية مثل: حزب الشعب والحزب الوطني. وبروز الأحزاب الجديدة وهي الحزب الشيوعي المؤسس عام 1924، والحزب القومي السوري، وحزب البعث العربي، والحزب العربي الاشتراكي، وجمعية العلماء، والاتجاه الديني التقليدي. إضافة إلى تصوير التطور الاجتماعي في المجتمع السوري في تلك الفترة.
بهجت رماح والشيوعيين
حرص المسلسل على أن يوضح دور الشعبة الثانية التي تلاحق الأحزاب السياسية بالقمع، حسب مواقفها من النظام الحاكم. وتدور بعض مشاهد المسلسل حول تلك الملاحقات التي طالت عدة أحزاب. ويوضح المسلسل كيف تتحالف تلك الأحزاب مع ممثلي الانقلابات باستثناء الشيوعيين الذي دخلوا إلى السجون والمعتقلات في جميع المراحل التاريخية التي مرت على سورية منذ رحيل الاستعمار الفرنسي وتحقيق الجلاء.
يقول بهجت رماح الضابط في الشعبة الثانية خلال حوار مع نذير أبو الورد في إحدى الحلقات: صداقتنا وعداوتنا مؤقتة مع جميع الأحزاب، إلّا الشيوعيين، فهم دائماً في وجه المدفع.