وجه نيويورك الأحمر
اخترق موكب جماهيري شوارع مدينة نيويورك بمناسبة الأول من أيار 1934، وحمل المشاركون لافتات كتب عليها: «يا عمال العالم اتحدوا»، «في سبيل أمريكا سوفييتية».
كتب البروفيسور موريس آيسرمان أستاذ التاريخ في جامعة هاميلتون في مقاله المنشور كمقال رأي بجريدة نيويورك تايمز «عندما كانت نيويورك عاصمة الشيوعيين الأمريكيين»: كان التأثير السياسي الشيوعي كبيراً داخل مدينة نيويورك بين عامي 1930-1950، أي: بين فترة حدوث الكساد العظيم وفترة بدء السياسات المكارثية التي ضربت نفوذ الشيوعيين في مثلث النقابات العمالية - الرواية وسينما هوليوود- مؤسسات وزارة الخارجية.
تأسس الحزب الشيوعي في مدينة شيكاغو 1919، ولكن قاعدته الكبرى تمددت في مدينة نيويورك عام 1921، وشكّل عمال المصانع والمهاجرون قاعدته الاجتماعية الذين أوصلوا الشيوعيين إلى المجالس البلدية. وصل عدد أعضاء الحزب في نيويورك وحدها عام 1935 إلى أكثر من 38 ألف عضو، أي: نصف مجموع أعضاء الحزب، وكانوا يستطيعون عقد اجتماعات جماهيرية يحضرها 20 ألف شخص في كل منطقة، بل وعرفت بعض الأحياء بأنها أحياء حمراء، مثل: بروكلين وأيست هارلم، وبدأت الصحف الأمريكية تطلق على نيويورك لقب «ولاية العمال» بعد سيطرتهم على المجالس الجامعية وقيادتهم لمئات الروابط والجمعيات وحصولهم في الانتخابات الرئاسية على 100 ألف صوت في نيويورك عام 1938.
تغيرت موازين القوى لصالح الشيوعيين أثناء أزمة الكساد العظيم التي رافقها تحمّس ملايين الناس حول العالم للنموذج السوفييتي في الاقتصاد، وظهور الجبهات الشعبية ضد الفاشية. ويضيف موريس آيسرمان في جريدة نيويورك تايمز: «الشيوعية ببساطة هي الوطنية الأمريكية في القرن العشرين».
تعرض الشيوعيون إلى الاضطهاد بعد 1950، ولكن الضربة القاضية جاءتهم من خارج البلاد، من الخطاب السري لخروتشوف الذي هاجم فيه ستالين في المؤتمر العشرين 1956 حسب البروفيسور آيسرمان، ذلك الخطاب الذي سبب خيبة أمل للشيوعيين الأمريكيين الذين تحولوا إلى حلقات صغيرة بلا تأثير بعد 1958.
ألف البروفيسور آيسرمان عدداً من الكتب وعشرات المقالات حول تاريخ الشيوعيين الأمريكيين، وينطلق من اعتبار المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي 1956 محطة للتراجع العام للحركة الشيوعية.