حموكار: أول مدن التاريخ بنظام تكييف وشبكة طرقية!
توثق الاكتشافات الأثرية، أن سورية هي الأرض البكر التي شهدت ولادة أولى مدن وممالك البشر التي صممت وأنشأت بالكامل قبل أن تُسكن. وتبرهن اللقى والدراسات الآثارية الحديثة، أن سورية شهدت نشوء المدنيات والأفكار والدلائل المدنية الأولى للبشر، بما في ذلك المحاولات الأولى للتدوين والحساب والرسم على أقدم حائط مبني من قبل الإنسان، وفقاً للاكتشافات الأثرية في موقع الجرف الأحمر، وموقع تل جعدة المغارة، والمؤرخة بالألف العاشر والألف التاسع قبل الميلاد.
وأصبح للمدنية بمفهومها الخاص دور هام تلعبه في الحياة السياسية، مع استخدام الكتابة المسمارية الرافدية والإيبلائية والأوجاريتية في التدوين، فابتكار نظام متطور للكتابة، يعني تدوين أولى المعلومات عن النظام الإداري في العالم القديم.
سورية هي مهد أفضل النماذج في العالم للمواقع الأثرية التي تطور فيها نظام بناء المدن في عصر الوركاء، ففي سورية اكتشفت أقدم مدينة أثرية في العالم في موقع تل حموكار على الحدود السورية العراقية قرب جبل سنجار في الجزيرة، تؤرخ بأكثر من 3500 سنة قبل الميلاد، اتخذت شكل مربع وسط السهول المحصورة بين جبل سنجار جنوباً، وسلسلة جبال طوروس وزاغروس في الشمال والشمال الشرقي، وكانت تمتد على مساحة قدرها مئتا هكتار.
اكتشفت البعثات الأثرية في مدينة حموكار أول أبنية في التاريخ العالمي اعتمدت نظام تكييف هوائي، تمثل في وجود مقرات في جدران ثنائية متوازية تفصل بينهما مسافة من الفراغ لا تتجاوز 15 سم، وتسمح بمرور هواء مكيف نقي يساعد على مقاومة حر الصيف.
وفي موقع تل حبوبة الكبير في حوض الفرات الأوسط، توجد أثار مدينة كاملة تعود إلى مرحلة فجر التاريخ، وهي المدينة الوحيدة التي ترجع إلى هذا العهد في القسم السوري من وادي الفرات، وشُيّد فيها أقدم نموذج للعمارة المنظمة والتحصين في العالم، وتصنف كأفضل مدينة أثرية في العالم حفظاً، شُيّدت ونُظمت وفقاً لتخطيطٍ مسبقٍ على مساحة تقدر بـ 18 هكتاراً في منتصف الألف الرابع ق.م، وفيها نظام لسحب وتصريف المياه التي كانت تصب في الأودية المجاورة للمدينة بوساطة أنابيب من الفخار تعد الأقدم في العالم.