الساعة البيولوجية للصحف
يقال: إن لجسم الإنسان ساعة بيولوجية، وتعمل هذه الساعة على ضبط عمل الأجهزة الحيوية عند الإنسان أثناء النوم والاستيقاظ بشكل يومي. ولكن هل يعقل أن يكون للصحف السياسية والثقافية ساعة بيولوجية تتحكم بنومها واستيقاظها رغم صدورها الدوري؟ أما المسافة الزمنية بين النوم والاستيقاظ الكوميدي المفاجئ، فقد تمتد لعقود!
يعرف التاريخ أعداداً لا تحصى من الصحف التي تغير من لونها على قاعدة «على هوا السوق نسوق»، وإذا حاولنا وضع قائمة بأسماء تلك الصحف سنضع مجلداً عنها. عن تلك الصحف التي تبنت الاشتراكية العلمية، أو ادّعت تبني «اشتراكية خاصة تناسب حارة أو قرية» كما أطلقوا عليها منذ الخمسينات، ورفعوا شعار لا شرقية ولا غربية في السبعينات، ثم تخلوا عنها باتجاه تبني «الليبرالية الجديدة» بعد عام 1990.
ومن غرائب تلك الصحف تبنيها للاشتراكية من جهة، ومن جهة أخرى محاربتها للماركسية أحياناً وللاتحاد السوفييتي أحياناً، وللشيوعية كلها أحياناً أخرى بدعوة أن الشيوعية لا تناسب حارتنا أو ضيعتنا الكبيرة. كلا أيها السادة، لم يكن ذلك من الغرائب، بل تناسب هذا الطرح مع الحفاظ على العلاقات مع الرأسمال الغربي الذي عبر عنه شعار «لا شرقية ولا غربية».
انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وسارعت الأفواج الذيلية تعلن دفن الماركسية، فلا غرابة أن تحول حزب يسمى حزب الشغيلة إلى حزب الديمقراطيين الفلانيين، بل وترى في عدد صحيفة ما قبيل الانهيار تبنياً للاشتراكية، وفي العدد الذي يليه بعد الانهيار: تفريخاً للمناضلين الليبراليين الذين استيقظوا فجأة وحملت صحفهم عناوين مثل: شاخت الماركسية، أو ماتت الاشتراكية. وغرق نفس هؤلاء في نوم وتجاهل تجاه الماركسية، بعضهم نائم حتى هذه اللحظات، وبعضهم استيقظ فجأة بعد عقدين ونصف من الزمان، ليعلن الاكتشاف العظيم للبشرية في القرن الواحد والعشرين «أن الماركسية لم تأت من الشرق» وتدّعي أن البعض يظن أن الماركسية جاءت من الشرق! فتصدوا لمهمة الرد على هؤلاء الذين يدعون شرقية الماركسية!
أما القراء البسطاء فتعاملوا مع الموضوع ببساطتهم، وحملت تعليقاتهم الفيسبوكية ردوداً ساخرة على تلك الفكرة قائلين: «الماركسيّة أتَت من عند أبو شاكر تبع الكوكتيل بالصالحيّة».