دليل واحد على خطر الفلسفة!
وقفت كبرى وسائل الإعلام العالمية مرتبكة أمام ذكرى ميلاد كارل ماركس في أيار 2018، ولم تخف الحكومات رعبها أيضاً، وكذلك مالكو ومشغلو وسائل الإعلام.
مات هذا الرجل الملتحي قبل 135 سنة وانهارت المنظومة الاشتراكية قبل ثلاثة عقود تقريباً، وبشرت كل الصحف العالمية الكبرى في حينها بنهاية الماركسية طوال الوقت! ماذا يحدث اليوم يا ترى؟ وما الذي تغير؟
نمط الهجوم الجديد
اعتمدت وسائل الإعلام الرأسمالية أسلوب الهجوم المباشر في الإعلام على كارل ماركس وأفكاره طوال القرن العشرين، وبُعيد انهيار المنظومة الاشتراكية العالمية 1991 أعلنت وسائل الإعلام على لسان منظريها وتمويل مالكيها نهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية.
بعد عشر سنوات فقط، اندلعت مظاهرات السويد الغاضبة 2001، وهي ترفع صور ماركس، ولجأت السلطات الإيطالية إلى التضييق على أفكار ماركس ولينين، بالتوازي مع قمة الثمانية، وبدأت الصحافة الأوروبية تتحدث عن رعب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من الصور الشيوعية على صدور الشباب.
لم توفر أوروبا وأمريكا «الديمقراطية» جهوداً في تمويل وتنظيم حملات معادية للرموز الشيوعية وتزوير التاريخ في تشيكيا وسلوفاكيا 2005، لتمتد هذه الممارسات إلى محاولة الحكومات الفاشية هدم التماثيل في أستونيا وليتوانيا ولاتفيا وبولونيا. هدمت آلاف التماثيل والرموز والنصب التذكارية حتى خلت أوكرانيا من أي مَعلمٍ أو صَرحٍ يرمز للماركسية أو الحرب الوطنية العظمى 2016.
واصلت وسائل الإعلام الرأسمالية حربها الاعلامية ضد الافكارالشيوعية بأسلوب موارب وغير مباشر هذه المرة، حمل نمط حرب الرموز والإشارات والحرب النفسية الإعلامية. في وقت بدأت فيه الأفكار الماركسية تنتشر بين صفوف الشباب وازدياد مستوى الإضرابات العمالية والطلابية اليومية في العالم الرأسمالي.
إذاعة «دوتشيه فيلله» الألمانية
غطت إذاعة «دوتشيه فيلله» أخبار احتفالات الذكرى الـ 200 لميلاد كارل ماركس وما رافق ذلك من إقامة 400 معرض في المدن الألمانية، وتدشين تمثال ماركس المهدى من حكومة الصين في مدينة ترير حيث عاش نبي تغيير العالم. كما أصدرت ألمانيا أوراقاً نقدية تذكارية بقيمة «صفر» يورو، تحمل صورة ماركس عشية حلول الذكرى الـ 200 لميلاده.
شارك وفد يمثل رئاسة المفوضية الأوروبية في الاحتفالات، وحضر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير نقاشاً في قصر بلفيو ببرلين الذي قال في الاحتفال: «ماركس مفكر ألماني عظيم، أعماله مشبعة بإنسانية عاطفية حميمة، غير أن القوة الداخلية الدافعة لماركس كانت هي ظروف عصره، ولا يجب أن نخشى ماركس ولا أن نصنع له تماثيل ذهبية». 400 احتفال رسمي ليقولوا: يجب ألا نخشى ماركس.
أعلنت دوتشيه فيلله دفن الحركة العمالية التي كانت في القرن التاسع عشر على لسان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني قائلة: ماذا تبقى من الحركة العمالية الألمانية اليوم؟ وصرح رئيس المفوضية الأوروبية، يان كلود يونكر: «إن ماركس اليوم يتحمل أموراً ليس مسؤولاً عنها، ولم يتسبب فيها، وذلك لأن الكثير مما كتب جرى تحويره إلى العكس.
جميع هؤلاء يخشون ماركس، لأن الحركة العمالية الألمانية تتصاعد، ويتسارع تبني الجيل الشاب للأفكار الشيوعية في المدارس والجامعات الألمانية. ولم تنفع الحملات المباشرة وغير المباشرة في التسبب بخدشٍ واحدٍ في الماركسية، كذلك لم يعد ينفعهم تجاهل ماركس والقفز من فوقه، لذلك عمدوا إلى عدم التجاهل بأسلوبهم! ولكن هيهات أن تخدشوا فكرة حان وقتها.
ذا نيويورك تايمز الأمريكية
لجأت جريدة ذا نيويورك تايمز الأمريكية إلى أسلوب حرب الرموز والإشارات على طريقة: أنا أقول شيئاً، والصورة تعني شيئاً آخر.
كتبت الجريدة: عيد ميلاد سعيد كارل ماركس، لقد كنت محقاً. وأرفقت بالكتابة صورة لتمثال ماركس ذي الوجه العابس والرأس الملطخ بالدهان ومخلفات الطيور في مكان منسي تجري فيه أعمال بناء!
وصف جيسون باركر مراسل الجريدة في كوريا الجنوبية «المنظمات الماركسية» بالتطرف والراديكالية، واعترف أيضاً أن أوروبا الرأسمالية فشلت في تحطيم الجذور النظرية للماركسية، وأضاف: إذا كان هناك دليل واحد على خطر الفلسفة فهو كارل ماركس.
الإعلام البريطاني
تحدثت الصحف البريطانية الكبرى عن ماركس وأفكاره حول ضرورة تضامن المضطهدين لإنهاء الرأسمالية، وكتب ستيووارت جيفريس مراسل ذا غارديان: يجب أن نفهم ماركس لنفهم الصراع الكبير ودور الدولة، وأضاف: إن أصحاب ماركس قد أصبحوا رأسماليين، في تلميح إلى أن مسببي الأزمة الرأسمالية الحالية هما كل من الصين والبرازيل!
استغلت إذاعة BBC المناسبة كعادتها لتطلق النار على الاتحاد السوفييتي والصين، ولكنها اعترفت بعودة الاهتمام من جديد بالنظرية الماركسية في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008.
ماذا يعرف العمال عن ماركس؟
لعل أكثر تلك الهجمات الإعلامية والسياسية والطبقية طرافة ما نشرته قناة سكاي نيوز العربية ومجلة «منتال فلوس» الأميركية، وباستخدام أكثر أشكال التحرير الإعلامي حداثة وتأثيراً في المتلقي تحت عنوان «ما لا تعرفه عن كارل ماركس، حب وزواج مثير وطيش وتعميد سياسي».
سددت القناة والمجلة صفعة خشبية إلى الجمهور باستبدادها الإعلامي قائلة: وفيما يلي بعض الحقائق حول حياة ماركس: كان يعاني من مشاكل صحية – لم يحضر جنازة أبيه – عنف وطيش في الجامعة – هارب من الخدمة العسكرية – مطرود من عدة دول .... إلخ. وللمزيد من الطرافة: لم تستطع هذه المواد خدش الماركسية، هل تعرفون لماذا؟ لأن الطبقة العاملة ترى في ماركس نبي تغيير العالم، والفلسفة الماركسية فلسفة تغيير العالم الرأسمالي المتداعي.