شركات الحرب «اليسارية»
تتهادى اليوم في الصحافة السياسة من النمط «الجماهيري» مصطلحات قديمة، من أمثال «اليمين» و«اليسار» تلك التي كانت تميز فيما تعنيه يوماً ما، الارتباط بقضايا العدالة الاجتماعية.
وازدادت حدة تناول هذين المصطلحين، منذ حملة الانتخابات الرئاسية ل«ترامب» وما يليه هذه الأيام في أوروبا وتحديداً فرنسا.
ويتحدث الكثيرون عن أفول اليسار وصعود اليمين. وعن كارثية التحولات السياسية التي تجري في الولايات المتحدة وأوروبا اليوم.
وعن نهوض الحركة «الجماهيرية» «اليسارية» ضد «اليمين» المتطرف القومي المتعصب ضد الأقليات والإسلام والمرأة وغيرها كثير.
فلنعد إلى التمثيلات الحقيقية ومن يمثل هذا اليسار على أرض الواقع؟
وعلى اعتبار أنّ منطلق التحليل، هو الولايات المتحدة هنا، فهو يمثل تلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي اتبعت سياسات الليبرالية الجديدة، التي تعتمد في أسسها الاقتصادية على اقتصاد الحرب (المدعوم بشكل أساسي من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي)، الذي يرى مصالح الولايات المتحدة اقتصادياً في فتح بؤر عالمية للحروب في كل بقعة ممكنة على كوكب الأرض، من أجل تغذيتها بالسلاح الذي يعتبر الممول الأساسيّ للاقتصاد الأمريكي، ويتولى الدفاع عن هذا «اليسار» جملة من وسائل الإعلام الأمريكية التي تشكل أكثر من 80% من الإعلام العالمي من الشركات الكبرى «اليسارية»، ويتبع لهذه الشركات كل المجمع السينمائي الهوليودي «شديد اليسارية» الصهيوني الداعم للحروب جميعها، من حرب فيتنام إلى حرب العراق إلى الحروب كلها التي أمنت لها الضخ الإعلامي والسينمائي المطلوب، من أجل دوران آلات المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ورحى الحروب في عجلات ذات مسننات متراكبة، يقود عملها البطل الهوليوودي الأمريكي.
ولا يخفى علينا دور «تابعه قفة» أي الدول الأوروبية التي لعب تجمعها في الاتحاد الأوروبي، وعلاقاته مع الدول التي شنت عليها هذه الحروب دور المثقف «النزيه»، الذي يقنع الضحية بأنها هي السبب في اعتداء المعتدي عليها، ودور شركات التغليف، التي تغلف تلك الحروب كلها، التي شنتها الليبرالية العالمية الجديدة، بغلاف من الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي يتمظهر فيما يتمظهر في حقوق المرأة وحقوق الأقليات وحقوق....وحقوق وصولاً إلى حقوق المثليين والمجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية واللجان، في إطار تصدير الديمقراطية الغربية.
إن عجز ممثلي الليبرالية الجديدة عن التصديق، بأن هذه الحالة لم تعد تجدي نفعاً بالمعنى الاقتصادي، أوقع ممثليها في حالة من الإنكار.
لم تعد اقتصادات الظل، والاقتصادات العسكرية والاقتصادات السوداء (سلاح- رقيق أبيض- مخدرات) والتي تمثل ثلاثين بالمئة من الاقتصاد العالمي، المدعومة من رأس المال المالي العالمي قادرةً على إنقاذ الاقتصادات الرأسمالية الكبرى بعد الآن.
لم يعد هناك من مخرج سوى العودة إلى سياسات تيار الانكفاء إلى الداخل، وهذا الخيار «اليميني» رغم عدم شعبية ممثلي هذا الاقتصاد على الطريقة الهوليوودية، وأشكالهم التي تنضح بالتعصب القومي والديني والجنسي، التي لم تستطع آلات الإعلام المتوافقة مع نمط الإنتاج اللليبرالي الجديد، أن تستوعب معلميها الجدد. إلا أنهم قادة المرحلة الجديدة، التي ليست على مقاسات البطل الأميركي القادم، من أفلام الويسترن، وشواتزنغر القادر على قتل آلاف «الأشرار» بسلاحه «الطيب».
إن أكثر الخائفين من سياسات ما يسمى باليمين الأمريكي والأوروبي، هم ممثلو الليبرالية الجديدة، التي استطاعت أن تثبت أقدامها في منطقتنا، عبر ممثليها وسياساتها منذ فترة ليست بالبعيدة نسبياً، وهم لا يستطيعون التصديق بأن معلميهم في الغرب قد انكفؤوا وسقط عنهم الغطاء، إن عُريهم يخيفهم، إن الوصول المتأخر نسبياً لموجة الليبرالية الجديدة إلى منطقتنا، لا يعني أننا مضطرون إلى المرور بمراحلها كلها بطولها الزمني الذي مرت به هناك، وربما نكون قادرين على تجاوز آخر المراحل، وأكثرها تدميراً (رغم مرور الموت القادم من الغرب بأبشع صوره علينا) من خلال ما تبقى لنا من بقية رغبة في الخلاص، والمضي في طريق بناء اقتصادنا الحقيقي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 796