في الذكرى الحادية والسبعين لميلاد محمود درويش جماهيرية الشعر وكرامة القصيدة
لايزال محمود درويش حياً، وقد احتفلت فلسطين بالذكرى الحادية والسبعين لميلاده. ففي 13 آذار الجاري، قامت «مؤسسة محمود درويش» في رام الله بافتتاح «حديقة البروة» التي تضم صرح ومتحف الشاعر، كما وأعلنت عن تسليم الجائزة التي تحمل اسمه للشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب. ورافق الافتتاح وإعلان الجائزة التي ستصبح سنوية معرضاً فنياً للفنان د. فائق عويس بعنوان «معلقات محمود درويش».
«جائزة محمود درويش للإبداع» طقس سنوي ستنظمه المؤسسة في هذا الموعد، حيث تعلن عنها لجنة تحكيم معينة برئاسة الكاتب والناقد د. فيصل دراج، وعضوية نخبة من الكتاب والنقاد الفلسطينيين والعرب، تؤكد في كل عام أن الجائزة «ما هي إلا ترجمة للقيم الإنسانية الطليقة التي صاغها (محمود درويش) وجعلت منه شاعرًا كونيًّا وعربياً وفلسطينياً معًا، ولعل نزعته الإنسانية الرحيبة التي تليق بكل إبداع، هي التي جعلته ينفتح على الثقافات جميعًا، ويحتفي بالإبداع الشعري في صوره المختلفة، مساويًا بين الشعر والحرية، كون كل منهما ضرورة إنسانية».
وقد كتب الدكتور درّاج تحت عنوان «لماذا جائزة محمود درويش؟»: «الثالث عشر من آذار هو يوم الثقافة الوطنية الفلسطينية، التي أنجبت محمود درويش، ويوم محمود درويش، الذي أعطى ثقافته الوطنية بعداً كونياً. قال محمود في كتابه الفريد «في حضرة الغياب»: «الحب كالمعاني على قارعة الطريق. لكنه كالشعر صعب. تعوزه الموهبة والمكابدة والصوغ الماهر، لكثرة ما فيه من مراتب». ظفر محمود بمرتبته وهو يروّض الإبداع، وحقّق إبداعه وهو يبحث عن الحرية، زاهداً بالمراتب وسائراً وراء الصواب. ولذلك أعجب بإبراهيم طوقان واستكمل دربه، وقرأ أحمد شوقي وأضاف إليه ما يريد، وتأمل الشعر في أزمنته المختلفة وأضاف إليه جديداً. آمن، في الحالات جميعاً، بقضية الشعر، وأدرك أن الشاعر النجيب أبٌ لأسلافه، يتعلم منهم زمناً، ويستدرك ما فاتهم في زمن لاحق. وما قضية الشعر، كما أرادها محمود درويش، إلا قضية الإنسان الذي تتوجّه إليه القصيدة، ذلك أن الشعر حرية ودفاع عن الحرية، وهو«الصوغ الماهر» المدافع عن المضطهدين والمستبدّ بهم، ودعوة إلى حلم ينجزه الإنسان الحالم بعد حين. ولهذا تحدث محمود عن «عبثية الفن المكتفي بذاته»، وأتى بقول شعري يدافع عن الفلسطيني المتمسك بحقه، ويتأسى على «الهندي الأخير»، ويحاور «الجندي الذي يحلم بالزنابق البيضاء». كان في شعره شهوة إلى إصلاح العالم، بعيداً عن ثنائية الهزيمة والانتصار، والكراهية والكراهية المضادة، وبعيداً عن هويات متعصّبة مغلقة، تسوّغ سيطرة شعب على آخر وقهر إنسان لغيره، وترى في التخلّف والاستبداد واغتيال العقل بديلاً عن التفتح والنهوض والاستنارة. وسّع محمود درويش آفاق قصيدته، محتفياً بالإنسان قبل الجغرافيا، وبالقيم الإنسانية النبيلة، التي تضع الأديان والمذاهب والطوائف بين قوسين، منتهياً إلى قصيدة كونية، تنصر الشعر وجمهوره، وتنصر قيم الشعر العظيم، المحدّثة عن الحب والجمال والسلام. أصبح درويش ذاكرةً للتاريخ الشعري وذاكرةً فريدة لفلسطين، تصالح بين المكان المتناهي والمتخيل الشعري الذي ينكر القيود. كتب عن أرض «أورق فيها الحجر» وعن آذار فلسطين الذي يحتفل بالأرض ويطرد «ظلال الغزاة»، وعن مخيم قتيل سكنه اللاجئ «أحمد الزعتر»، وحاصر بقصيدته الحصار وآمن بقوة الأمل. وحّد محمود درويش في شعره بين سير ثلاث: سيرته كفلسطيني من الفلسطينيين توزّعت حياته على المنفى والوطن المحتل، وسيرته كشاعر ولد في البروة ورفع صوته الشعري في منابر الدنيا كلها، وسيرته كشاعر ـ قضية، وجوهها مجازر كفر قاسم وتل الزعتر ومخيم جنين، ووجوهها أيضاً المقاومة والإبداع والأمل وبطولة البقاء. جمع درويش بين جماهيرية الشعر وكرامة القصيدة، وبين صوته المفرد المتفرّد وصوت شعبه، وغدا صوتاً جماعياً، يعرّف بالقضية الفلسطينية وتتعرّف به. هذه القيم والأسباب هي مسوغ الإعلان عن: جائزة محمود درويش للإبداع».
أما ما يميّز هذا العام في إحياء هذه المناسبة، فهو افتتاح «حديقة البروة»- صرح ومتحف محمود درويش، الذي انتهت من بنائه والعمل عليه مجموعة من الأفراد والمؤسسات الفلسطينية ضمن معايير فنية وتقنية دولية تطلبها أولاً بناء المتحف، الذي يرتكز في أساسه على تقديم «الكلمة»، فيحتوي على أعمال فنية تقدم شعر درويش، ومقتنيات شخصية للشاعر، ومخطوطاته، وجوائزه، وصوره، وشعره بالصوت والصورة، وهو حيّز مفتوح للزوار.
كما تحتوي «حديقة البروة» على قاعة داخلية ومدرج خارجي مفتوح ومنبر للعرض الحر. وترى مؤسسة محمود درويش أن هذا المكان فضاء جديد للثقافة في فلسطين والعالم العربي، لتقديم وإنتاج الإبداع الحر القادر على التغيير ومقاومة تشويه الهوية الثقافية وطمسها، وذلك باسم الشاعر الذي بدأ هذا المسير، وسيخلّد بأن يكمل محبوه الدرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 544