حسني هلال حسني هلال

مِعْوَل وآن ؟!

أليس المقصود بالاستفتاء على قضية ما.. مشكلة ما. هو استطلاع واستكشاف واستجلاء حقيقة، صحة وصوابية تلك القضية من خطلها؟ ومعرفة نسبة إيجابيتها إلى سلبيتها؟ وبالتالي الاستدلال إلى طرق المعالجة وسبل التصحيح؟
أم تراه، العكس هو المقصود. أي التعمية على الحقيقة وتمويهها وتشويشها، ولاسيما إذا كانت القضية سياسية أو تتعلق بالسياسة؟

أسئلة كثيرة، كتلك الواردة أعلاه، تساءلها «رامز» بحضور بعض الرفاق والأصدقاء في جلسة لهم تداعوا إليها، على خلفية الاستفتاء الشعبي على دستور الجمهورية العربية السورية الذي أجري في 26/2/2012م.

ولأن رامز يرى نفسه، كمواطن، هو المعني والمقصود والمتأثر سلباً وإيجاباً وأولاً وآخراً بالدستور. فقد عبّر عن انتقاده لـ واستياءه من بعض المظاهر غير الصحيّة وغير الصحيحة، التي شابت عملية الاستفتاء وعاينها هو شخصياً في مراكز عدّة: كالمباهاة علناً من أصحاب «نعم» بموافقتهم مشفوعة بتعظيمات وشعارات في غير مكانها ولا زمانها، وعدم الالتزام بقواعد الاستفتاء المتعارف عليها، واستقبال أصوات موافقة هاتفياً، من وسطاء وإنزالها في الصندوق. ناهيك بعدم وضع إشارة على بطاقة المستفتى، تفيد بقيامه بواجبه وحقه بالاستفتاء، واقتصار اللجان في المراكز على الرفاق البعثيين، وما أشبه ذلك من ثغرات تشكك بعملية الاستفتاء.. ليست في مصلحة الدستور.. ولا تخدم بالتالي لا الوطن ولا المواطن. وتطعن، في الوقت ذاته، في صدقية المؤسسات المعنية الراهنة والمسؤولين، والأحزاب، وعلى رأسها «حزب البعث» الأحوج ما يكون حالياً لإثبات جدارته ، وإقناع الآخرين، عملياً، بنزاهته ومبدئيته، بعيداً عن حب الذات والاستئثار والإقصاء.

بعد أن أنهى رامز تساؤلاته، عن عملية الاستفتاء، كأني به قد استشفّ بفطنته وذكائه المعروفين عنه، ثقالة وضغط الأجواء التي وضعنا بها حديثه، فوق ما تتحفنا به وسائل الإعلام، على مدار اليوم والوطن، من ضغوط وأخبار القتل والذبح والترويع. وأراد التخفيف عنّا حين قال:
فيما يخصّ مشروع الدستور، الذي محضته صوتي أصولاً. هو عموماً جيد وإيجابي ومتقدم، ليس على سابقه فقط. بل وعلى سائر الدساتير المعمول بها في المنطقة. ولن يعيبه كثيراً، اشتماله على ثغرة هنا وأخرى هناك. كإفراطه بصلاحيات الرئيس.. إجحافه بحقوق المرأة.. مسك يده مع العلمانية والمدنية وبسطها مع السلفية والدينية. وتبقى العبرة على الأحوال كافة في التطبيق.
أما فيما يخص المادتين «3» و«33» من الدستور (وهنا تنفرج أسارير رامز وتضحك عيناه ليقول): فتنطبق عليهما «قصة» وديع الشوفاني: معول وآن!

والقصة لعلمكم، طرفة مشهورة، تعرفها معظم قريتنا، كما ويعرفون وديع  الشوفاني نفسه ـ الشوفاني هنا، مشتقة من الشوف منطقة في لبنان وليس من نبات الشوفان ـ ونوجزها لكم فيما يلي:
كان لأحد أقاربنا في الشوف زوج على صحبة بجار لها، تلتقيه كلما سنحت لهما فرصة. ذات يوم ذهب زوجها للصيد، وفي طريقه تذكر غرضاً قد نسيه. فعاد إلى  المنزل، وعند الباب سمع زوجه تقول: وآنْ، ردّاً على ما لم يسمعه، من قول عشيقها لها. «ولِكْ اشتقتلك يا جليلي»، ودخل الزوج ليجد زوجه وجاره يتحدثان. فسلّم وجلس مسايراً جاره، الذي سرعان ما طلب معولاً يستعيره ليركش به حديقته، ثم استأذن وخرج.

بعدما ذهب الجار، سأل وديع زوجه، عمَّا كان يدور حديثها مع الجار لدى وصوله (أي الزوج) إلى البيت. فأجابت مرتبكة: كان يسألني عن معول. وراح الزوج يقلّب الأمر ويزينه بينه وبين نفسه قائلاً: معول وآن يا وديع؟!.. معول وآنْ؟!..
فلا تتلاءم الكلمتان إيّاهما، كخطاب وجواب في حديث زوجه وجاره. مثلما لم تتلاءم مساواة المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات دون أية تفرقة، أمام القانون. مع وجوب أن يكون الإسلام دين رئيس الدولة في مشروع دستورنا الجديد.
وكعادته في أن يوقع كلامه شعراً ، اختتم رامز حديثه بالقول:

(إنّا نقاتل كي يرضى الجهاد بنا
لسنا نقاتل كي يرضى بنا عمرُ)
 

معلومات إضافية

العدد رقم:
543