احتفالية يوم الرقص العالمي على مسرح القباني: لاوند هاجو: يرفض الكلمة الأمريكية

منذ أن بدأ رحلته في عالم الرقص في العام 1991 مع فرقة زنوبيا اختط لاوند هاجو لنفسه طريقاً واضح المعالم، لكي يكون راقصاً محترفاً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وليرسم مشروعه الخاص.

لاوند هاجو الذي تحول مع الزمن من راقص في فرقة زنوبيا إلى مدرب ومصمم رقصات في هذه الفرقة، وشارك إلى جانب عمله في زنوبيا مع فرقة فهد العبد الله اللبنانية كمدرب وراقص اساسي، حاز على جائزة «التانيت» الذهبي في العام 1995 ، وشارك في العديد من الأعمال المسرحية السينمائية والتلفزيونية، إن المتابع لخطوات هاجو يرى فيه الكثير من الطموح مع شاب يحمل في قلبه الكثير من الأحلام، كانت أول تجربة له في المسرح الراقص عرض  (خلق) وهاهو عرضه الثاني يرى النور على خشبة مسرح القباني في أول احتفال بيوم الرقص العالمي في سورية.

- قبل بدء عرض (انعكاسات) بأيام قمت بزيارة إلى الاعتصام الذي يقيمه طلبة المعهدين المسرحي والموسيقي، وقمت بأداء راقص، ضمن الفعاليات الفنية التي يحاول طلبة المعهد أن يقوموا بها دعماً للانتفاضة ما الذي دفعك إلى ذلك وهل تظن أنه يفيد، ومن أين أتيت بالفكرة؟

لا أستطيع الحديث عن هذا اليوم هكذا بتجرد، فأنا لم أكن أود أن يظهر الموضوع وكأنه عرض، وربما يظهر حديثي عنه بهذا الشكل، إنها اللحظة التي تأتي هكذا وتدفعك للقيام بشيء، يجب أن نفعل شيئاً، سأقول لك جملة أعتقد أنك سمعتها وقرأتها كثيراً، «آلاف الصور على التلفاز تدفعك للجنون» ماذا أستطيع أن أفعل؟ طلبة المعهد والذين كنت متضامناً معهم من اليوم الأول، اختاروا طريقتهم للتعبير وبأدواتهم، من التمثيل الإيمائي، إلى الرسوم والكتابة، كل بأدواته، وأنا جسدي أداتي، كنت أريد أن أنزوي جانباً مثل الجميع وبالقرب مني عماد الذي رافقني بالعزف، لنصف ساعة، كانت آلاف الصور تشغل مخيلتي لأترجمها، النصف ساعة امتدت لثلاث ساعات توقف الكثير من الأشخاص يراقبون لم أشعر بوجودهم حتى انتهيت، صور الأطفال المذبوحين كانت ترتسم في مخيلتي، نساء ورجال يصرخون، ألم، لا أعرف كيف أصف ما كان يجول في مخيلتي، لكن لم تجتحني رغبة بالرقص، كتلك ولا أزال حتى الآن أفكر بذلك اليوم.

- لماذا رفضت قراءة الكلمة التي قدمت في كل أنحاء العالم بمناسبة يوم الرقص العالمي قبل بدء العرض؟

 لعدد من الأسباب أولها أن كاتبتها أمريكية، وثاني الأسباب، هو أن مضمون هذه الكلمة يحمل نَفَساً مشابهاً لذلك المنتشر في أمريكا، والذي تحاول أميركا نشره وفرضه على الجميع، بعد أحداث 11 أيلول، وكان من الأفضل عدم قراءة هذه الكلمة لما تحمله من مضامين مسيئة، وأنا أستغرب كيف تستطيع راقصة تحمل قدراً من الثقافة، ومن أصول سوداء عانت من العنصرية ما عانته في أمريكا أن تفهم الأمور بالسطحية التي قدمتها في هذه الكلمة.

- كيف تفهم الرقص أو الحركة في النوع المسرحي الذي تقدمه ؟

في هذا النوع يجب دائماً أن تسخر الحركة لخدمة الدراما. فالمسرح الراقص ليس استعراضاً فقط، وإن كانت هذه الحركة تقدم مفهوماً جمالياً. مدرسة فيليب جانتي على سبيل المثال تسخِّر الحركة لخدمة الفعل الدرامي، وربما أنتمي إلى هذه المدرسة التي يشبهني البعض بها، هذه هي لغة الجسد الحقيقية التي يجب أن تقدم.

- باعتقادك كم يحتاج المتفرج من الوقت لإدراك أبعاد العمل الراقص؟

 أظن أن الأمر متفاوت نسبياً،  وأعتقد أنه مرتبط بطباع الأشخاص وإطلاعهم على الرقص ككل والرقص الدرامي، والشعر، والمسرح، لقد كانت هناك تناقضات كثيرة بين عدد من المتفرجين، وأعتقد أن المتلقي العادي عفوي أكثر ويتلقى الأمر بشكل أبسط، أما المتفرج الذي يتعامل مع حضور المسرح ويشاهد بعين متفحصة أو ناقدة وليس هدفه الأول المتعة فإنه يحتاج إلى عدد من المرات لكي يستطيع قراءة العمل الفني الراقص ويستوعبه بشكل أفضل لأن العمل الدرامي إن استطعت القول يحمل من الدلالات والرموز أكثر من غيره من الأعمال لأنها تقوم على الحركة بالدرجة الأولى.

- البعض قال أن ما قدم في عرضك الأخير مباشر والبعض الآخر قال إنه لم يفهم شيئاً مما قدم. فما رأيك بهذا التناقض بين الآراء؟

أعتقد أن هذا السؤال هو امتداد لإجابتي السابقة، إن كان هناك من يقول بأنني قدمت عملاً فيه طرح مباشر، أقول ربما هذا صحيح، لكن ما هو المباشر هنا ...؟! ربما تكون الحكاية أو «التيمة» التي عملت على معالجتها في (انعكاسات) مطروقة أكثر من شكل فني أو أدبي، من القصة مروراً بالشعر وانتهاءً بالمسرح، لكنها واحدة من التيمات التي تعمل عليها البشرية منذ بدء تكون الأنواع الفنية والأدبية، والتي كما أذكر يصل عددها إلى 36 تيمة، لكنني أعتقد أن المهم الآن وفي هذا العصر هو شكل المعالجة الفنية بالدرجة الأولى. وإن قبلت جدلاً بأن شكل المعالجة الذي ظهر في (انعكاسات) مباشر أيضاً، فإن الأداة التي اخترتها للتعبير، وهي الرقص لم تلامس أياً من هذه الموضوعات في سورية على الأقل حتى الآن ، وأنا هنا لاأضع نفسي في موقع الدفاع عن العمل فأنا أقبل كل أنواع النقد بشرط أن تكون هناك عين خبيرة تراقب ما يقدم على المشهد ككل ولا تجتزئ التجارب كيفما اتفق، وأن تكون هناك آذان صاغية، وأقلام قادرة على فتح الحوار، أكثر من قدرتها على نسف الأعمال.

أما بالنسبة لمن لم يصله أي شيء من العمل فأنا أدعوهم بهدوء إلى محاولة تحليل العمل وقراءته بأبسط الأدوات لا أكثرها تعقيداً. فأنا لا أقدم وجبة جاهزة. وأعتقد أن هذا التناقض الحاصل في الآراء ليس سلبياً تماماً، وسأسميه تنوعاً في الآراء وليس تناقضاً ويعطي دلائل إيجابية.

- كيف ترى الفرق بين المسرح الحركي والمسرح الراقص بمفهومه الجديد، وما اعتيد تقديمه سابقاً؟

لقد ارتبط المسرح الراقص في أذهان الكثيرين منذ زمن بعيد بالفولوكلور، مسرح راقص خشبة كبيرة، وعدد كبير من الراقصين، إن المسرح الحركي أمر مختلف كثيراً، فيجب علينا هنا أن نقدم فكرة هنا ونبني عليها العرض، فالرقص هنا في خدمة الفكرة أو الموضوع المطروح وليس العكس، لا توجد حركة مجانية، والهدف ليس جمالياً صرفاً، هناك متعة للعين وهي أمر شديد الأهمية لكن هناك متعة يجب أن تقدم للعقل، إن هذا النوع المسرحي لا يزال حديثاً في سورية، ويجب أن تكثر التجارب المسرحية ضمن هذا النوع حتى تتوضح أبعاده وتكثر المنافسة حتى نخرج بشيء متجدد دائماً.

- ماذا بعد (خلق) و(انعكاسات) هل وضعت خطة أو  بنيت مشروعاً متكاملاً لتحقيق ما تصبو إليه؟

أنا أكره المخططات الثابتة .. !! ماذا بعد خلق وانعكاسات..؟ لقد انهيت العرض للتو..( يضحك) (طول بالك عليي شوي) هناك الكثير من المشاريع التي تعتمل في ذهني صدقني، إنني أرى كل ما في الحياة اليومية قابلاًُ لأن يجرد على خشبة المسرح رقصاً، لا أتوقف عن التفكير في مشاريع مستقبلية، لكنها لا تصب في بحثي، فما أحاول تحقيقه هو البحث في الجسد، رحلة من نوع خاص، الجسد هو الأداة لتحقيق الكثير، ومن هنا أنطلق، فأنا لا أعد مشروعاً مسبقاً لأبني عليه، بل من خلال كل الأفكار التي تأتيني، الأفكار الأفضل سوف تبقى لتظهر إلى النور يوماً ما، ربما سيكون عرضي الجديد هو رحلة جسد لرجل عمره 90 سنة يعيد اكتشاف جسده بكل زخم الماضي والحاضر.. لا أعرف تماماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
174