سميح شقير: الانتفاضة أعادت الأغنية الوطنية بعد أن كانت مهمشة

لا يمكن إعادة المشاعر الشعبية إلى البراد السياسي بسهولة!

■ الشارع أصبح محتقناً بالمشاعر والرغبة في تغيير الواقع لتكون الحياة ممكنة

■ هناك ما هو قبل الأيديولوجيا وما بعد الحداثة إنها أحاسيس ومشاعر للمقهورين..

■ لم أبتعد يوماً عن الأغنية الوطنية.. وأثق بالمستقبل

حنين إلى الكثير من الأغاني الوطنية أعادتها الانتفاضة إلى المقدمة مرة أخرى، سميح شقير عوده كلماته وأغنياته أحد رموز تلك المرحلة، استطاع أن يفجر الأحاسيس في الشارع مرة أخرى، يتنقل من مدينة إلى أخرى، ليدخل والجماهير تغني أغانيه قبل وصوله أغانيه التي لم تُنس بل بقيت في القلوب، ويبقى الجميع وهم يرددون أغنياته بعد أن يفجر ما في الصدور، سميح شقير لم يبق ملتصقاً بالماضي بل سعى لأن يخرج بالجديد دائماً بينما تتخاطفه الأقنية والصحف استطعنا أن نلتقي معه وكان هذا الحوار.

■ إلام ترجع أسباب عودة الأغنية الوطنية في المرحلة الأخيرة إلى المقدمة مرة أخرى بعد أن كانت قد تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة؟

■ ■ من الواضح أن الانتفاضة بالزخم الذي اندفعت فيه، قد تركت بأثرها العميق على مجمل الفعاليات في الشارع العربي، بل وحتى الجانب الرسمي منه، ولم يكن بمستطاع العدو أو الصديق تجاوز المتغيرات والأحداث اليومية التي أنجزتها وتنجزها الانتفاضة، ومن هنا يمكن تفسير عودة الاهتمام بالأغنية الوطنية، التي كانت تشهد وجوداً خجولاً إن لم يكن تهميشاً على مساحة الإعلام العربي.

■ هل كان ابتعادك عن الأغنية الوطنية بسبب هذا التهميش؟

■ ■  من قال أنني ابتعدت عن الأغنية الوطنية، هل لأن المساهمة الأخيرة التي صدرت لي كانت أغنية ساخرة؟ لقد قدمت أغنية ساخرة انتقادية اجتماعية، لماذا فسر ذلك بأنه ابتعاد عن الأغنية الوطنية، أو ذات الوعي السياسي، أنا لا أجد مبرراً لفهم كهذا؟!

■ لكن هناك الكثيرون ممن يرون أن أغانيك المرتبطة بالواقع الاجتماعي وليس فقط المرتبطة بالقضية قد شهدت تراجعاً خفيفاً بالعموم؟

■ ■ أعود إلى عدم الموافقة على هذا الاستنتاج. وأعتقد أنه يخفي وراءه أمرين: إما أن هناك عدم فهم للأغاني التي انجزناها في السنوات الأخيرة، أو أن هناك التباساً ما … فقد غنينا في المرحل السابقة الكثير من الأغاني الوطنية في الكثير من الحفلات التي كنا نقيمها، كأغنية اسم محتلي .. أو مرثية الشيخ إمام.. أو أغنية التضامن مع مارسيل خليفة .. أو أغنية زبانة التي تمجد نضال الشعب الجزائري.

■ هل تعتقد أنه حدث اختلاف في فهمك للموسيقى قبل ذهابك لدراسة الموسيقى في روسيا وبعد عودتك؟

لا يمكن أن تمر السنون الزاخرة بالتجربة والمعرفة وطقس التعامل مع الجمهور، لا يمكن أن تمر دون أن تترك تراكماً جديداً في الوعي أو الوصول إلى صياغات مختلفة. إذاً لا شك بوجود هذا التغيير.

والكلمات التي تختارها؟
 لا أذكر إلاّ اختياري لنص واحد لربيع الجلطي عن الثورة، بينما بقيت مصراً دائماً على كتابة أغاني بنفسي وهذا ما  كان بارزاً.

هل تعتقد أن الفورة على صعيد الشارع العربي ستنحسر من جديد، أو سيعود الشارع العربي إلى الجمود من جديد؟
 دعني أترك الباب موارباً، بمعنى أنني أعلق آمالاً على نهوضٍ شعبيٍ أكد نفسه بالشارع ولا أعتقد أنه بالإمكان إعادة هذه الأحاسيس الجمعية إلى البراد السياسي بسهولة، لكننا تعودنا على إحباطات تنتهي بها الحال إلى سكون في الشارع. بل ولا مبالاة إذاً دعنا نر ما الذي سيجري، الآمال معلقة على هذا الشارع وفي نفس الوقت الذاكرة تشهد بالكثير من الخيبة.

 وهل تعتقد بقدرة المرحلة على إنتاج أغان وطنية جديدة ، أم أننا سنبقى مرتبطين بحنين من نوع خاص إلى كل ما أنتجته المراحل السابقة؟
 أنا أثق بالمستقبل، بل وأعتقد أنه ستكون هناك حالة ارتقاء خاصة على صعيد الشكل الفني حيث كان شديد البساطة سابقاً. أما بالنسبة للنص فعليه أن يستمر كما كان ممسكاً بجوهر القصيدة وقابضاً روح اللحظة ومندفعاً في خضم النشيد، فهل ترى أن مارسيل خليفة قد توقف عن العطاء او زياد الرحباني، هل توقفنا نحن، عداك عن الأصوات الأخرى، ووعداً بأصوات جديدة، على هذا أبني تفاؤلي.

لكن استمرار الأسماء الجديدة جاء في إطار آخر.. فمارسيل بدأ بإعادة إنتاج قديمه، والأغاني الوطنية الجديدة التي أنتجها لم تعد بنفس الزخم، زياد أحدث تغييراً جذرياً في فهمه للكلام والموسيقى، وأحمد قعبور ترك كل شيء ويعمل حالياً في تلفزيون «المستقبل»؟
تشاؤمك واضح وتفاؤلي أوضح.

خلال جولاتك في المحافظات السورية العديدة ومتابعتك لحركة الجماهير والشباب الذين خرجوا بالأخص، هل تعتقد أن هذه الجماهير التي خرجت إلى الشارع مع كل التظاهرات والمسيرات، تنبئ بعودة للأيديولوجيا والتيارات السياسية أو حاجة الشارع السوري إليها من جديد؟
الموضوع ليس في عودة الإيديولوجيا أو لا عودتها، الموضوع ببساطة أن هناك شارعاً محتقناً بمشاعر القضية والرغبة العارمة في تغيير الواقع لتكون الحياة ممكنة، والشباب هم الأبرز تعبيراً عن هذه المشاعر. لا يمكن أن تكون أمام جمهور مشتعل بالشكل الذي رأيناه وألا تتفاعل معه، لا يمكن أن ترى هذه الحشود من دون أن يغمرك الفرح، لقد تعودت أن أبتكر التفاؤل حين لا أجده، كيف تريدني أن تشاءم وأنا أرى بعيني زخم المشاعر هذا. هناك ما هو قبل الأيديولوجيا وربما ما بعد الحداثة إنها الأحاسيس والمشاعر الواضحة للمقهورين بكل وضوح.

هل تعتقد أن الأيديولوجيا في مرحلة من تاريخ سورية تركت أثراً سلبياً على الفن والأدب؟
نعم.. عندما تتحول الأيديولوجيا المبنية على فكرة المتغيرات ، وتتحول إلى وثن وتتجمد ضمن قوالب معينة، فليس عندي شك أبداً بأن الزمن سوف يتجاوزها .

في الوقت نفسه نجد أن الأيديولوجيا ساهمت في رفع الكثير من الأسماء أو حتى خلقها إن استطعنا القول، في شتى مجالات الأدب والفن، والآن وبعد تراجع الدور الذي كانت تلعبه فيما مضى، فإنها تركت فراغاً واضحاً في عدد من الميادين فكيف ترى ذلك؟
أنا لا أرى مشكلة في اختفاء الأسماء التي ظهرت ووجدت بفعل الدفع الأيديولوجي إلى الواجهة. إن أي أدب أو فن حقيقي سيبقى، بغض النظر عن دفع المؤدلجين له، وبالتالي فماذا نخسر نحن في النهاية، نحن نخسر أبواقاً عابرة، ولا نخسر جوهر الثقافة على أنه لا يمكننا إنكار أن في رحم الكثير من الأحزاب نبت الكثير من المثقفين والمبدعين لأن هذه الأحزاب بالنتيجة هي تيار خصب من الوعي وبالتالي لا بد أن يكون قد ترك أثره على الكثير من مبدعين وأحزاب، إنني أعتبر هذا تناولاً مسطحاً ومجزوءاً للمسألة، وأريد أن أقول في النهاية، أن من أهم المحركات الأساسية للحركة الاجتماعية السياسية في كل مجتمع هي الأحزاب السياسية والحركة الثقافية، وإن تكاملهما يعطي الأثر المرجو على الحراك الاجتماعي السياسي وهما ليسا بمتناقضين، على أننا لاحظنا في عدة عقود من الزمن وجود إشكالية ما تحول دون هذا التكامل بوجود نموذج السياسي الذي لا يرى في الثقافة إلاّ تابعاً لرؤيته ومن ناحية ثانية بوجود ترفع عن سياسي والوصول إلى عدم اعتباره من قبل بعض المثقفين، وكلا النموذجين مأزوم برأيي، فهل نبحث بعد كل هذه الأزمنة المأزومة عن نموذج يلبي شروط الوعي المتراكم عبر هذه الأزمنة.

حوار : ع. س

معلومات إضافية

العدد رقم:
176