هشام الباكير هشام الباكير

من التراث «الثنائيات الوهمية»

لطالما تجنّبت الخوض في القضايا الطائفية أو العرقية.

أما الآن فأجدني مضطراً لاستخدام بعض التعبيرات والمسميات التي أمقتها منذ زمن بعيد، ولن أخجل هذه المرة من قول «شيعي، سني، كردي، عربي» والسبب في ذلك مقدار الخيبة الذي أشعر بها، لأن هذه التسميات البغيضة بدأت تنتشر وتأخذ مكانها في الفضائيات العربية وعلى ألسنة الكثير من المثقفين دون اكتراث ٍبخطورتها وحجم التفتيت الذي ستحدثه في مجتمعاتنا في حال أصبحت جزءاً من ثقافتنا ورؤيتنا لواقع أمتنا الحالي وما سيكون عليه في المستقبل القريب.
وأقول أنه ليس هاماً أن تكون أممياً كي تقف في وجه الطائفية والشوفينية وتقسيم الناس حسب مذاهبهم وألوانهم.
بل بمجرد أن تكون إنساناً حقيقياً، واعياً حجم المؤامرة التي سعت وتسعى الولايات المتحدة لنشرها وإقحامها كمفاهيم جديدة في سياق ثقافة الهزيمة التي لحقت بنا منذ عقود بسبب الانكسارات المتكررة والإحباط المتنامي والقمع الذي نعيشه، والتي تريد من خلال تعميمها لخلق ثنائيات وهمية كاذبة وساذجة.
بدأها الرئيس بوش عندما أعلنها حرباً «صليبية» ضد المسلمين، أراد من خلالها تجييش الجماهير المغفلة والمتعصبة في بلده وفي بلداننا أيضاً.
لتعيش معاركها الوهمية بين مسلم ومسلم.. مسلم ومسيحي.. عربي وكردي.. وكي تبقى الستارة مسدلة على أهداف المعركة الحقيقية بين مستغِل ومستَغَل، بين ظالم ومظلوم بين مغتصب ومقاوم... بين مستكبر وعادل...
فتصبح الانتصارات هزائم ويكون الانجاز الوحيد مزيداً من التقسيم والتفتيت وتشتعل حروب نحن فقط وقودها.. المنتصر فيها ليس بأحسن حالاً من المهزوم..
وقبل أن تلهب عواطفنا هذه الثنائيات الساذجة.. يحق لنا أن نسأل:

● إذا كانت بعض رموز الطائفة الشيعية في العراق قد انحازت إلى صف المحتل ورأت فيه تحقيقاً لبعض مصالحها الآنية والشخصية.
فماذا عن الانتصار المذهل لحزب الله المقاوم في لبنان «الشيعي»، وماذا عن فتاوى آية الله محمد جواد الخالصي ضد الاحتلال.

● إذا كانت بعض القيادات الكردية في شمال العراق قد رأت في الاحتلال الأجنبي فرصتها التاريخية للانفصال «بدويلة كردية» لا يعلم إلا الله شكلها أو مستقبلها ليصبح الحديث عن الأكراد «بالغمز واللمز».
ماذا عن التاريخ المشرف الذي نتفاخر به حينما هزمنا الحملات الصليبية والتي لم تحدث بدون صلاح الدين الأيوبي وعمه شيركوه والكثير من القادة والجنود الكرد الذين دافعوا عن إسلامنا وعروبتنا قبل كل شيء ولم يحصدوا أي مكاسب فردية..
ماذا عن إبراهيم هنانو... ماذا عن خالد أكر وأبطال قلعة الشقيف ومئات الشبان الأكراد الذين استشهدوا دفاعاً عن عروبة فلسطين ولبنان.
وإذا كان البعض يشير بخبث إلى تنظيم القاعدة وباقي الحركات التكفيرية على أنها تمثل الإسلام السني وأنه متطرف..
نقول أيضاً ماذا عن حركتي حماس والجهاد ومقاومتهما الباسلة للمشروع الصهيوني؟ ماذا عن رواد النهضة الكبار في تاريخنا «جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، عبد الرحمن الكواكبي..).
دعونا نخرج من هذه الظلمة إلى النور كي تتوضح الصورة وتبدو حقيقة أكثر.
إذا كانت الحرب الأمريكية الإمبريالية ضد بلداننا تريد النيل من إسلامنا وحسب فما معنى الحرب الأمريكية ضد كوبا وفنزويلا وغالبية بلدان أمريكا اللاتينية والتي يدين أهلها بالمسيحية (الكاثوليكية).
ولماذا تحارب الولايات المتحدة كوريا (البوذية)؟
ولماذا وقفت مع المسلمين في البوسنة ضد المسيحيين في الصرب؟
النفط أيها السادة.. هو الإله الحقيقي للولايات المتحدة..
أسواقنا وخيراتنا هي كتبها المقدسة.. ونبيها الوحيد هو «إسرائيل».
لقد كتبوا على الدولار «نحن نثق بالله» في أثناء حربهم ضد الشيوعية (الملحدة) كما أرادوا تصويرها للعالم..
خيراً فعلوا.. أثبتوا لنا ويثبتون دائماً أن «الله» عندهم موجود فقط على الدولار، وفي الدولار ولأجل الدولار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
280