هادي العلوي في ذكرى رحيله.. مازلنا بانتظار (هادي) جديد
أسمّي مثقفاً ذلك القادر لا على الاستزادة من المعارف، بل على نقد الأصول والتشكيك بالجذور ومساءلة الهوية.
ليست مجازفة القول إننا، ومن بين جمع المشتغلين بالثقافة، لا نجد من يستحق اسم المثقف أكثر من الأستاذ هادي العلوي، فهو أولاً صاحب مشروع فكري بيّن المعالم واضح الأسس. ومشروعه من السعة والشمول بحيث يمكن عدّه درساً يباشر الحاضر من خلال استنطاق الماضي وجرّه إلى دائرة الأسئلة الواعية التي يتستر عليها الآخرون.
هو لم يكترث بالهوامات التي تخلقها التصنيفات الاعتباطية لحقول الفكر، ولم تثنه عن أن يكون حرّاً في تجريب مداخل ظلت على الدوام ممنوعة أو ممتنعة على المفكر، أو هي قادحة في أهليته لممارسة عمله، إذ لا أحد من مفكرينا استوعب الدرس العرفاني مثلاً وتقبّله ليصهره في جهده الفكري بهذا الأداء البارع الذي أعطاناه العلوي.
كان هادي العلوي آخر من طهرهم اللهب المقدس الذي أشعله (أهل الله) بقولهم ( ليس منا من خالطته الأغيار الثلاثة أي المال والسلطة والدين )، ولطالما ردّد ذلك القول بفعله قبل أن يردده بلسانه، فاكتسب عداوة شياطين هذه الأغيار من عبيد المال وكلاب السلطة وكرادلة المعمّمين.
ليست مصادفة أن يكون للتصوّف ذلك الأثر في شخص العلوي وفكره، إذ هو عارف أن للتصوف تلك الميزة التي تجعله متفرّداً وعصيّاً على إدراجه في ممتلكات السلطة أو خزانة التاجر أو لحى الفقهاء، فالتصوّف وليد الحضارة الإسلامية ووارث أعمق ما فيها، لكنه مع ذلك يضع بينه والتديّن حدوداً لا سبيل إلى اجتيازها أو محوها كلّفت أصحابها دماً في حياتهم وإهمالاً بعد مماتهم.
وهكذا العلوي الذي في كل قراءاته للتراث أراد أن يثبت انه ابن هذه الحضارة، لكنه من الوفاء لها بحيث لا يكف عن تفحّصها وتقليب ثوابتها وخلخلة بناها الوثوقية المتوهمة.
أورثه الدرس العرفاني ذلك الامتياز الذي ندر أن نصادفه عند سواه، أورثه أن يكون إشكالياً بحق، فهو مؤمن بلا تديّن، مهموم بقضايا إسلامية لكنه مبتدع لنمط عبادته الخاصة ابتداعَ عارف يحدثه ربه عن قلبه، عربيّ تشربته اللغة حد أن ضاق بها أو ضاقت هي عليه، فراح يوسع تخومها بضروب من الأداء الكتابي فريدة ومبتكرة..
عراقي إلى آخر عرق فيه وهو الذي تفرّد بإصدار الكتاب الأحمر المدافع عن قضية عراقية ظلت إلى الآن محل خشية من يسمون أنفسهم بالأحزاب الوطنية، لكنه الإنساني الذي يقحم نفسه هو وزوجته أم الحسن في الشأن السياسي لدولة مثل الصين.
مثقف أفنى حياته بالقراءة والإنتاج لكنه الساخر من المشتغلين بالثقافة الذين كان يسميهم بالاسم الذي دعاهم به الخالد فهد: (الأفندية)
زاهد تلبّسه أبو العلاء، لكنه غير المكتفي بزهد صامت وخجول، بل الذي يشهر ذلك الزهد الصادق في كل مناسبة، أذكر أنه في أمسية ما، شن هجوما صاعقاً على شعراء فنادق النجوم الخمس..
المثقف الذي يبرهن لنا بأن الثقافة إن لم تكن نقداً للأصل فلا تستحق اسمها.
بانتظار «هادي» آخر، ليس لنا إلا أن نعي جيداً ما أراده أبو الحسن، عسى أن نكون جديرين به.
كتابات هادي العلوي:
(نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي)، (الرازي فيلسوفاً)، (فصول من تاريخ الإسلام السياسي)، (من قاموس التراث)، (المستطرف الجديد)، (المنتخب من اللزوميات)، (نقد الدولة والدين والناس)، (شخصيات غير قلقة في الإسلام)، (المستطرف الصيني)، (كتاب التاو)، (مدارات صوفية)، (ديوان الوجد)، (المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة)، (ديوان الهجاء)، (قاموس الإنسان والمجتمع)، (قاموس الدولة والاقتصاد)، (قاموس العلوم والصناعات)، (خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الإسلام).. إضافة إلى مئات البحوث والدراسات المتناثرة في الجرائد والمجلات شرقاً وشرقاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 283