هامان علي شاكر هامان علي شاكر

عندما يكون أبو شهاب قدوةً..

هاهنا، في هذا الشارع من حارتنا، لمَحتُ العكيد أبو شهاب، يتبادل إطلاق النار مع عكيد آخر. أما في الحارة المجاورة، والتي دخلتها، من دون أن أجد لها باباً أو بواباً، كان هناك أبو شهاب ثان، داخلا في سجال عنيف مع ابن أخته معتز!!؟ أبو العز ينقلب على خاله ، شيء ربما لا يصدق، أقله بحسب حدسنا وتوقعنا، كجماهير ومتابعين لهذا المسلسل «الظاهرة»، لكن الأكثر غرابةً ً، فيما شاهدته، جرى في واحدة ٍمن حاراتنا، المفترضة بان تكون  أكثر تطوراً ورقياً، إذ كان فيها عكيدنا أبو شهاب مع جماعتو من باب الحارة، يخوضون حرباً ضروس، على طريقة حرب البسوس، ( ضد مين يا حزركم ؟؟)، ضد رضا الحر وجماعتو من أهل الراية.

فنتازيا بامتياز، هذا ما تراءى لي، ولعمري إنها فنتازية (معاصرة)، لم تخطر حتى على بال نجدت أنزور وجماعتو من أهل الإخراج، إذ أن الألعاب المستخدمة هنا، عفواً أقصد الأسلحة المستخدمة هنا، لم تكن من تلك البواريد الألمانية القديمة، ولا من نوع مسدسات الغولدن التقليدية، بل كانت بواريداً أمريكية الصنع، من ذاك النوع الذي يقال له (بمبكشن).
ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل، أين يمكن اكتشاف هذه المشاهد التي تفوق في بعضها غرابة  أفلام شاروخان البوليودية ؟
من المؤكد أنها ليست مشاهد من الجزء الرابع لـ«باب الحارة»، ولا هي من منافسة في هذه السنة «أهل الراية»، بل هي مشاهد حقيقية لأطفال، كانوا في شوارع دمشق، يقومون بتقليد أبطالهم المفضلين، صباح أحد الأعياد، وقد تسنى لي أن أحضر بعضها، وأنا أتنقل من وادي السفيرة في ركن الدين، إلى حي أبو رمانة وسط المدينة.
ولا أخفيكم باني حظيتُ أيضاً بشرف الجلوس في ذات الميكرو مع أبي شهابٍ صغير، كان هادئاً في حضن والده، رغم أنه كان يتقلد لعبته المفضلة:المسدس.
ترى كيف يمكن للبارودة والمسدس أن يصبحا من أكثر اللعب رواجاً بين يدي أطفالنا؟ من الأسئلة التي سقطت على مخيلتي، بزغاتٍ لا مثيل لها، سوى في تساقط تلك المفرقعات، على رؤوس المارين عبر الحارة، في كمائن شقيةٍ، نصبها الأطفال، التماساً لخطى أبطالهم الميامين.
وربما لأن أجواء هذا العيد كانت أقرب إلى أجواء الحرب منها إلى أجواء الأعياد، كنتُ أجد صعوبة في تحرير نفسي، من حصار تساؤلاتٍ، كان يفرضها عليَ، حينا ً بعد آخر، ترى ما المرجو من دروس لهؤلاء الصغار من هذا العنف المعلب، غير إغراقهم بثقافة العنف وغرس نزعة العدوانية لديهم؟ ما الأبعاد الحقيقية لهذه المشكلة؟ وهل يمكن وصفها بالظاهرة؟ أم أنها لا تزال مشكلة مناسباتية، تحل مع الأعياد وترحل معها. من جانب آخر يمكن التساؤل أيضاً، ما الذي خلفته الدراما من تأثير على هذه المشكلة خاصة  إذا عِلمنا أنها  من أكثر المواد الإعلامية مقدرة على الوصول والتأثير؟
لا شك أنها أسئلة ، تستحق منا البحث والإجابة عنها، ولو بشيء من الوقت، لكن السؤال الأهم ، الذي لا يمكن للوقت، أن يغفر لنا في عدم الإجابة عنه هو: ما هي الرؤيا التي نحملها في وعينا عن الطفولة كأفراد ومجتمع في الوقت الذي تنظر فيه المجتمعات المتقدمة إلى الطفولة على أنها المستقبل ذاته.. وما هي مجالات الاستثمار التي لا نزال نفكر بها؟ في الوقت الذي أصبح استثمار الإنسان ميدان الاستثمار الحقيقي (والرهان الكبير) ، للكثير من الشعوب..
 بقي أن أعود لأقول لكم: كل عام وأنتم وحارتنا ونحن وطفولتنا بألف ألف خير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
385