فواز العاسمي فواز العاسمي

ديزل.. لثقافة معطّلة

من امتهان كرامات الناس في البحث عن وقود التدفئة، إلى هدر هذه الكرامات أمام الأفران تضيع الثقافة وتهمّش. إذا كانت الثقافة وستظل حاجة البشرية الأبدية فما الداعي لتلويثها برائحة المازوت!!

كانت الدروب إلى دار الثقافة بدرعا معطلة بسبب من تراكم المحتاجين لقسائم التدفئة حتى أني لم أستطع الوصول إلى أمين المكتبة لأستعير كتاب صادق العظم «النقد الذاتي بعد الهزيمة». فقد قرأت الكثير عن الثقافة كحلّ سحري للتخلف والتبعية للآخر، وما كان يلفت انتباهي دائما هو تأكيد كل الشرائع والأحزاب والدساتير والقادة على عظمتها واتساعها وقداستها حتى ظننت أنها آخر حصون مقاومتنا.. وها أنا أمسك دليلا عمليا على ما ذكره المفكرون والمنظرون عن الثقافة وشموليتها. هذا الدليل هو وضع مراكز لتوزيع قسائم المازوت في أروقة المراكز الثقافية، حيث صرت ترى هذه الفسيفساء الجميلة لمكونات الثقافة تتداخل في أبهى صورة، فمن نضالات الطلاب الذين يحاولون جاهدين شق طريقهم للوصول إلى المكتبة للحصول على بعض المراجع لاستيفاء حلقات بحثهم في الجامعة الناشئة في المحافظة، إلى مجموعة هائلة من الناس أمام دار الثقافة وفي عرصاتها وممراتها، لا يهمهم من الثقافة سوى استخدام موظفيها والقائمين عليها في تلبية حاجتهم الماسة للتدفئة. أليس رائعا أن يضحي الطلاب بمستقبلهم ليتمكن مواطن فقير من الحصول على دفتر مازوت بدل كراسة للرسم أو للبحث العلمي، هذا ما أسميه ثقافة الإيثار، ثم أليس ممتعا أن تسمع في دارٍ للثقافة شتائم لا تعلو ولا تنزل عن حزام العفة أبدا، ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ف‍لأسم هذا ثقافة سوقية، أليس مبهرا أيضا أن ترى طلاب المازوت وطلاب الجامعات يلتقون في مكان واحد لتتجلى حينها أسمى صور التعاضد بين طبقات الشعب. إني أجزم أن أحداً من السادة المسؤولين في المحافظة أو وزارة الثقافة يرضى بأن يضع نفسه في معمعة هذا التخبط المودي حتماً لتهميش الثقافة وتهشيمها بالتوازي مع هدر كرامات الناس، فمن المسؤول عن هذا الخطأ الكارثي إذاً!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
385