باسم عبدو في «لا يموت الأقحوان»: شاعرية القصّ واستراتيجية الكتابة
عن اتحاد الكتاب العرب صدرت المجموعة الجديدة للقاص الروائي باسم عبدو، وهي بعنوان «لا يموت الأقحوان» وهي المجموعة السادسة له، بعد: «الأخمص الخشبي»، «وجه وقمر»، «الصفعة»، «دائرة الضوء»، «اعترافات». ولا ريب إن الكاتب القاص باسم عبدو يمتلك فن كتابة القصة القصيرة، ويعرف التطورات الكثيرة والكبيرة التي تعرضت لها بعد الجيل المؤسس لها سورياً... أمثال: القاص علي خلقي وغيره، والجيل الذي تبعهم.
مواضيع قصص مجموعة «لا يموت الأقحوان» إنسانية بشكل عام، تتناول الواقع الحياتي للإنسان في جميع النواحي، خاصة الشخصية منها، ولكن التناول لم يكن تقليدياً.. إنما هو تناول رشيق بعيد عن الإنشائية والتقريرية اللتين تتصف بهما القصة التقليدية، وأحياناً في بعض القصص القصيرة عرج القاص بشكل خفي إلى الغايات والأسئلة الإنسانية غير اليومية.
تضم مجموعة «لا يموت الأقحوان» ثلاثاً وثلاثين قصة قصيرة، وتقع في ثلاث ومئتي صفحة من الحجم الأوسط ـ ومثلما ألمحنا آنفاً ـ فإننا سنتناول المجموعة المذكورة من النواحي الفنية وإجمالاً، أي فنية القص خلال قراءة الضمائر واللغة والأفعال والحوارات والحلم والإرجاع وجملة القصة وحجمها وعناوينها وأسلوبها وتشويقها وأسئلتها ونهايتها.. إلى آخر ما هنالك من قضايا مثل الشاعرية.
أما عن الجمل في قصص المجموعة فقد تبين من خلال القراءة أن أكثريتها الساحقة، جمل طويلة فمن مجموع القصص هناك إحدى وثلاثون قصة جملها طويلة، وهناك قصتان جملها متوسطة، وهذا له دلالاته في القصة القصيرة، ويدل على أن الكاتب لم يأخذ أسلوب القصص الحديث في هذا المجال.
إذ أن القصة القصيرة في مفهومها العام، هي لقطة ولفتة قصيرة لا تلزمها الجملة الطويلة التي تصح في كتابة الرواية، فجمل القصة القصيرة، يستحسن أن تكون قصيرة متوترة ومتحفزة ومحفزة لزمنها القصير الذي قد يكون دقيقة النهار في مشهد ومنظر أثار الكاتب.
وفي قضية الحوارات في هذه المجموعة، فقد ظهر خلال القراءة أن هناك ثماني قصص فيها حوارات خارجية، وست قصص خالية من أي حوار إن كان داخلياً أو خارجياً، وتسع عشر قصة فيها حوارات داخلية، وهذا شيء جيد، فالحوار الداخلي الذي شكل أكثرية الحوارات هو معيار بين الإنسان وذاته، وحوار بين الإنسان والمجهول في الداخل، وهكذا يستطيع الإنسان بث ما بنفسه، والبوح به وتفريغ ما في الوجدان والذات، والبوح هو شيء ذاتي هام، فوجود الحوارات الداخلية، أهم بكثير من وجود الحوارات الخارجية التي تعني الإنسان، والآخر، والمحيط. فالداخل أغنى وأعمق من الخارج.
ولكننا لم نلاحظ في القصص الاسترجاع والحلم، ولو وجد هذا لأغنى المجموعة وفنيتها أكثر. لقد رفع الحوار الداخلي سوية السرد القصصي في المجموعة بلغة رشيقة متماسكة لا توجد فيها كلمات نابية أو حادة قاسية، أو كلمات تصم الذوق المتعارف عليه، فلغة القصص سهلة معروفة مقترنة مع الأشياء غير الغريبة.
أما عن التشويق في القصص، وهو عنصر هام فيها، فهي إجمالاً قصص مشوقة ممتعة وهي غير جامدة، وفيها حميمية إن كان في طابعها الفردي الذاتي أوجماعي العام، فالقارئ لا يملها ولا يتركها عند القراءة، أما أكثر القصص تشويقاً فهي قصة «البحث عن القبر» ص94، فتشويقها عالٍ ومميز.
بالنسبة لنهايات قصص المجموعة، فكل نهاياتها مغلقة، لم يترك القاص للقارئ أية فرصة ليحلل ما يقرأ، أو يعمل فيما قرأ، لذا فالنهايات المفتوحة تهم القارئ أكثر، وأسلوبها أقرب إلى الحداثة، وكان بالإمكان تغيير بعض النهايات عند الكاتب وجعلها مفتوحة، فبتغيير بسيط يمكن جعل نهايتها مفتوحة، والكاتب لا يصعب عليه مثل هذا التبديل.
وهناك قصة واحدة مباشرة جداً ودعائية وهي قصة «محبرة ملأى بالأحلام»... وفي مجموعة جميلة وشاعرية مثل مجموعة «لا يموت الأقحوان» كنت أتمنى لو لم تكن هذه القصة المباشرة جداً موجودة فيها.
مجموعة «لا يموت الأقحوان» مجموعة قصصية فيها تطور قصصي في مسيرة القاص باسم عبدو وهي جديرة بالقراءة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 406