بعيداً عن هوليوود وقريباً منها أسطورة السينما العالمية تفقد بريقها!!
مما يفطر قلبك سعادة، إذا كنت مهتماً ومتابعاً للسينما، هو أن تستقرَّ بك المحطات على mbc4 لتجد نقلاً تسجيلياً لحفل توزيع جوائز الأوسكار، أو جوائز نقابة الفنانين الأمريكيين، أو الغولدن غلوب وما إلى ذلك، فمن الطبيعي أن هذا النقل الاحتفالي سوف يجعلك ترى الكثير من نجوم العالم في جو احتفالي جميل يتيح لهذا أن يجلس بجانب تلك، ولذاك أن يرتقي المسرح ويلقي كلمة يستخدم فيها أفضل ما يتذكر من حوادث سينمائية كوميدية حصلت معه أو مع الشخصية التي يقدمها.
زووم إن على وجه تشارليز ثيرون، ثم مشهد عام لبينلوبي كروز تتبادل الحديث مع خافير بارديم، زاوية جميلة يظهر فيها فخذ جيسيكا ألبا، لتنتقل العدسة إلى كتف شارون ستون فإبط نيكول كيدمان، لا بد أن هذا الجو يشكل جلسة متعة لك.
هذه الشركات الكبيرة التي استطاعت أن تضم هذه النجوم، أو بالأحرى أن تصنعهم، استطاعت، وخاصة في العقود الأخيرة، أن تستقطب كبرى التجارب السينمائية العالمية خارج الولايات المتحدة، أي أنها وضعت يدها على تلك الصيغ الجديدة والعدسات التي بدأت تأخذ مشهداً سينمائياً مستقلاً عن فوضى هوليوود، بعد فترة من الركود الكبير الذي جعل السينما في العالم متمثلة بهذه العاصمة فحسب.
من الجميل جداً أننا نستطيع الآن أن نشاهد فيلماً تركياً أو يوغسلافياً أو إيرانياً، أي أنه من المتاح بشكل متوسط الصعوبة الإطلاع على معظم التجارب السينمائية، ولكن القضية المثيرة للجدل هي أن الكثير من هذه التجارب الكبيرة بدأت تدخل هوليوود، وهذا لا يقيها الذوبان في فضاء المال السينمائي الأمريكي.
ربما ظاهرة دخول بعض التجارب السينمائية إلى الجو الأمريكي ما زالت حديثة أو لم تلفت الأنظار إليها بعد، ولكنها ظاهرة تستحق الوقوف عندها وتستحق التعليق عليها بالقول: إن المال الأمريكي بإمكانه شراء كل ما يريد، وجعل فضاء الشركات الأمريكية مستقراً لكل الكواكب العابرة، أو التي تراها هوليوود عابرة.
ربما هي حرفة سينمائية أمريكية يجب الاعتراف لهوليوود بها، وهي أنها تراقب المشهد السينمائي العالمي، وتعرف ماذا تشتري ومن تشتري ولماذا تشتري، ثم إن «المشترى» أو السلعة التي تراها هوليوود جيدة، تجد في عرض هوليوود لها فرصة العمر، على اعتبار أن ما تقدمه هوليوود سيكون على شاشة كل بيت، وداخل كل دورعرض السينما.
الإشارة هنا إلى هذه الظاهرة تقودنا لاحترام تلك التجارب التي حافظت على هويتها، وعلى الاستمرارية في تقديم تجربة قد تبدو هامة جداً، وقد تشكل مع تجارب أخرى ظاهرة عالمية تزاحم هوليوود، وتجعل الكثيرين ينظرون إلى هوليوود بعين النقد والمقارنة مع تجارب جديدة لم تلق بعد التسويق المناسب، وهذا ما يخيفنا أن تنجرَّ خلف تسويق هوليوود.
ومن الجميل جداً أن مهرجاني كان وبرلين، وعدد من المهرجانات الأخرى، قد باتت تهم الكثير من متابعي السينما والاختصاصيين، أكثر من اهتمامهم بالأوسكار والبافتا، ربما لأن ما تقدمه تلك المهرجانات من خصوصية التجارب العالمية، والخوض في تجارب لا تخوضها السينما الأمريكية، يجعلها أقرب إلى أذهان المطَّلعين، بل وأكثر اقتراباً من جمهور البلدان النامية.
مهرجان كان بات له جمهور كبير في الوطن العربي، وهذا لا يعود إلى دخول سلاف فواخرجي إليه، بل يعود إلى أن هذا الجمهور بات يتطلع إلى نماذج سينمائية لم يكن يعرف عنها الكثير فيما مضى، ووجدها مختلفة عن هوليوود وقريبة من نمط حياته أحياناً، والجديد أيضاً هو الإقبال على شراء الأفلام التي عرضت في كان، والبحث الدؤوب عنها في مكاتب السينما، على الأقل في مدينة كدمشق.
قدمت هوليوود خلال تاريخها تجارب عالمية هامة، وجعلت من نفسها بجدارة عاصمة السينما العالمية، ولكن من الجيد أن نبحث عن تجارب أخرى تبنَّت هوية مستقلة لذاتها، أو ربما تبرز الكثير من جوانب الضعف في الإنتاج الهوليوودي، وهذه ليست مجرد قضية عابرة، بل هي دعوى للجميع عند دخولهم إلى مكتبات السينما بأن يبحثوا عن عدد قليل من الأفلام الداكنة الأغلفة، أو التي لا تحمل أغلفة، أو تلك التي يحتفظ بها صاحب المكتبة لعدد من المهتمين، وقد تكون هذه المجموعات غير مترجمة، وهو جانب من جوانب ضعف تسويقها، أو ضعف استهلاك أسواقنا المحلية، ولكن في النهاية قد يكون بحثك ومتابعتك لهذه التجارب التي ما زالت ترفض الذوبان في مياه ساحل لوس أنجلوس، هو بوابتك للدخول إلى عالم سينمائي جميل جديد، وتجربة تفتقد هوليوود إلى روحها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 409