بين قوسين قطار مظفّر النواب
كان الاتصال الهاتفي يتعلّق بالشاعر مظفّر النواب. هناك من يفكر بإعداد ملف عن هذا الشاعر العراقي الغاضب. بدا هذا الاختيار غريباً بعض الشيء، فصاحب «وتريات ليلية» الذي ألهب حماسة الجمهور العربي في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، بات بالنسبة لجيل اليوم اسماً منسيّاً، أو إنه خارج التداول اليومي. كأن قصائده المهرّبة على أشرطة كاسيت انتهى مفعولها في زمن الأسطوانات الليزرية، الأمر الذي وضعني أمام أسئلة أخرى: هل انتهى الغضب في حياة الجيل الجديد ليستبدله بمواء قطط الغناء العربي؟
وماذا تعني قصيدة النوّاب الهجائية للأنظمة العربية المتخاذلة؟ هل فقد الجمهور العربي الأمل بالتغيير، فالتفت إلى شؤونه الصغيرة، وأدار ظهره للقضايا الكبرى، أم أن هذه القصيدة أوصلته إلى جسر الهلاك قبل أن تغرقه الشعارات الصاخبة في وحل الصمت العربي؟
بالتأكيد لم يكن مظفّر النوّاب شريكاً في اللعبة، فهذا الشاعر دفع فواتير باهظة نتيجةً لخياراته، إلى الدرجة التي حُكم عليه بالإعدام ذات يوم، لو أنه لم يحفر نفقاً في سجنه ويتشرّد في المنافي، لعلها الذاكرة العربية التي أصابها الغبش والرمد والعمى، فتكشفت عن منظرٍ آخر.
في تلك الأمسية الدمشقية البعيدة التي أحياها مظفّر النواب، كانت القاعة تزدحم بالحضور والحماسة. هاهو شاعر عربي يستعير كل مفردات الهجاء ويصبها في ماء قصيدته فتلتهب الأكف بالتصفيق.
مظفر الذي يعيش عزلة تامة في دمشق، كتب وجدانه الشعري بماء النار ثم صمت.
وإذا كانت قصائده السياسية تعبّر عن مرحلة تطلعات وآمال، فإننا لن ننسى أشعاره العامية، فصاحب «للريل وحمد» سيبقى ركناً أساسياً في ذاكرة الشعر العامي على امتداد الجغرافيا العربية. القصيدة التي مزجت ماء دجلة والفرات بكل الأنهار العربية الأخرى لتنمو كالقصب على الشواطئ المحزونة.
سأستعير صوتاً عراقياً مجروحاً بالأسى، وأردّد بعضاً من ذهب مظفّر النوّاب:
«مرينه بيكم حمد
واحنه ابغطار الليل
واسمعنه دك أكهوة
وشمينه ريحة هيل
ياريل
صيح ابقهر
صيحة عشك ياريل
هودر هواهم
ولك
حدر السنابل كطه»
.................
جفنك
جنح فراشة غضّ
وحجارة جفني
وما غمض
يل تمشي بيّه
ويه النبض
روحي على روحك تنسحن
حن بويه حن».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 410