بين قوسين: على شواطئ المتوسط
هل باتت المهرجانات الثقافية الأهلية فضاءً بديلاً للثقافة الرسمية؟ على الأرجح ستكون الإجابة بنعم، ذلك أن معظم هذه المهرجانات أثبتت وجودها وحيويتها خلال سنوات قليلة، باستقطابها عناوين سجالية لافتة، وشخصيات لها مصداقيتها ومرجعيتها لدى المتلقي، دون أن تصطدم ببيروقراطية الأفكار المستقرة التي توقفت عند حدود الأسماء المكررة، تلك التي نصادفها في معظم العواصم العربية تجتر الأسئلة نفسها منذ عقدين على الأقل، وكأن قطار الثقافة العربية توقّف هناك.
«مهرجان جبلة الثقافي» في دورته الخامسة التي انتهت منذ أيام، يمكن اعتباره نموذجاً مهماً في ترسيخ ثقافة جدّية، تتمثل بمقترح مختلف بقصد إذكاء روح الحوار، وخلخلة الذائقة المستقرة، في معظم فعالياته، خصوصاً في أمسياته الغنائية والموسيقية التي شهدت إقبالاً لافتاً من الجمهور الشاب. هذا الجمهور الذي نضعه عادةَ في خانة الذائقة الدارجة. كأن كل ثقافة مغنيي الكراجات، ومضخة روتانا، لم تؤثرا في حسّه الأصيل نحو الفن الحقيقي، شرط توفّره. هكذا امتلأ مدرّج جبلة الأثري عن آخره، لينصت الجمهور مع أميمة الخليل، وريم الكيلاني، وفرقة التخت النسائي الشرقي، وفرقة الأدناوي، وإذا بإيقاعات الجاز والبيانو والعود تطيح بالطبل والدربكة. الأمسيات الشعرية استقطبت هي الأخرى جمهوراً كبيراً، على رغم تفاوت مستوى الشعراء، فيما كانت الندوة المخصصة لفكر إدوارد سعيد، من أكثر الندوات جديّة، عبر أطروحات نقدية عميقة، أثارت سجالات واسعة. سيتساءل المرء: كيف لمدينة بحرية صغيرة أن تحقق لنفسها هوية ثقافية مختلفة بإمكانات بسيطة؟ لعل الإجابة تكمن في إخلاص الورشة التي أطلقت هذا المهرجان، ونظرتها إلى دور الثقافة في تعزيز الوعي النقدي وفضاء الحوار المتعدد الأطياف، وقبل ذلك وجود مثقف ديمقراطي متحمّس هو الأستاذ جهاد جديد الذي يتمتع بطاقة شابة يٌحسد عليها، والحضور المعنوي للشاعر أدونيس الذي لم يغب لحظة واحدة عن أنشطة المهرجان، إضافة إلى أسماء أخرى من مثقفي المدينة بذلوا أرواحهم كي تشتعل مدينتهم مدة خمسة أيام، فتمدّ ظلالها إلى أبعد من البحر.
مهرجان جبلة الثقافي الذي تقيمه جمعية العاديات صورة استثنائية للعمل الأهلي المؤسس على أفكار خلّاقة، كم تبدو الحاجة ملحّة لتعميمها على مهرجانات سورية أخرى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 412