جهاد أبو غياضة جهاد أبو غياضة

زياد يبهرنا كالعادة... رغم «جدار الفصل»!!

بعد أقل من سنة على حضوره الأول، المفاجأة الغالية التي أهدتنا أياها الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية في عام 2008م، ولخمس حفلات. يأتي سليل العراقة الرحبانية والمجدد الثوري الأبرز زياد الرحباني لدمشق، ببادرة جميلة من «مينا» الجهة المنظمة، ليغيّبنا وسط مزيج ساحر من عراقة صرحه الموسيقي الأخاذ، وعراقة قلعة دمشق التي ما زالت جدرانها تحفظ وقع  حناجر «الكورس الرائع» الجمهور السوري الذي أحبه زياد لعظيم تفاعله.

فما إن أعلن عن أماكن بيع بطاقات الدخول، حتى بدأ الهوس المحموم الذي استبد بالناس على شاكلة لهاث صارخ، للحصول على تذاكر الحفلات، نظراً للإقبال الكبير، ونفاذها السريع «صرحت الجهة المنظمة بيع 16 ألف بطاقة».
«منيحة ..!!» (غناء – موسيقا- كلام) هو عنوان هذه الإطلالة التي جاءت بتميز واضح عن ما قدمه زياد في العام الماضي من حيث الشكل والمضمون، لترينا الصورة الحقيقية للرسم التخيلي الصوتي الذي انطبع في أذهاننا طيلة أعوام طوال لزياد المسرحي وبرامجه الإذاعية، إذ أن وسيلتنا الوحيدة للتعرف على زياد كانت التسجيلات الصوتية فقط.
وبعد انتظار جنوني للحظة فتح الأبواب، ثم الكثير من عبارات التهنئة والحمد على دخولك سالماً من شدة التدافع و(التدفيش) الذي مرده غياب التنظيم وسوء الإدارة، لنفاجأ بالطامة الكبرى. فتوزيع المقاعد يختلف عن السنة السابقة بشكله الطولي، حيث قسمت الباحة إلى قسمين يفصل بينهما «جدار فصل حديدي» ليقيم شيئاً من التقسيم الطبقي التافه المعنى..! بين فئتي حملة بطاقة الـ1500 و1000 ليرة، ويزيد الطين بلة أن الجلوس بشكل عشوائي اعتباطي، إذ يظهر بأن عادة ترقيم المقاعد (السيئة!) لا تلقى رواجاً في بلادنا المحافظة، وتكون المصيبة الكبرى بكون الجالس في المقاعد الأولى من فئة الـ1000 ليرة، ونحن منهم، لن يشاهد شيئاً من المسرح، بل سيكتفي بمتابعة الحفل عبر شاشتين، ويذهل لحذاقة وتكنيك المصورين الهزلي والعبثي، إذ يتحدث زياد مثلاً وأنت تشاهد الصورة توجه إلى عازف العود، أو إلى كرسي فارغ في المقاعد الأولى من فئة العظماء أصحاب الـ1500 ليرة.
ويطل زياد وتنسى متاعبك كلها، ليبدأ الإبحار بعوالم «زيادية» تنسيك غياب المكان في استحضار الزمان الجميل على جزأين وشكلين مختلفين. فالقسم الأول للموسيقى الجاز ولوازمه، والثاني للموسيقى الشرقية واستحضاراتها الرحبانية، فيبدأ بعزف المقدمة الموسيقية لـ«فيلم أمريكي طويل» و«العقل زينة» لتظهر تجليات زياد في تأديته لبعض الاسكيتشات الإذاعية على خشبة المسرح، وهنا كعادته يدهشنا، وإن خالف بعض الشيء الصورة المتخيلة بالأذهان لبعض الاسكيتشات، فيبدل ملابسه ويرتدي الشعر المستعار، ويسرد حديثه النقدي العاطفي والاجتماعي الثوري عبر توليفة من أعماله الإذاعية «العقل زينة» وألبوميه «نص الألف خمسمية - تابع لشي» مثل «النوم بيجر نوم، التاريخ، الحكيم، ورقة بين مكتبين، طلع معي حق، انحراف وتيرة وغيرها»، وما أجمله حين يمرر عبارة لينين الشهيرة: «وحده الذي لا يفعل شيئاً لا يخطئ».
ولنكون بعدها مع باقة من أروع أغانيه القديمة والحديثة: «الله يساعد»، «ولعت كتير» التي قدمتها سلمى مصفي في ألبوم «مونودوز» (أدتها في الحفل مايا ديب)، و «يا بنت المعاون» مسك ختام الحفلة، وهديته الرائعة «يا نور عينيا»، ومن أعماله مع لطيفة «بنص الجو»، «معلومات أكيدة»، «ومعلومات مش أكيدة» التي أدتها السورية الرائعة المتألقة رشا رزق والتي أبدعت في التعاطي مع الأغنية إلى حد أنها أرتنا الأغنية ببعد آخر، وهو ما يدعو للتساؤل عن سبب تغاضي الإعلام السوري عن هذه الموهبة الفذة. ومما يسجل لهذا الحفل ولزياد شخصياً، كشفه النقاب عن مواهب فنية مغفلة، أو مغيبة أيضاً، كعازف العود باسل داوود الذي تألق بأداء «يا بنت المعاون» و«يا نور عنييا»، حتى ظننا بأن روح جوزيف صقر تخيم على المكان وتظلله. و قمة الدهشة حين بدأ زياد يعزف «حبيتك تانسيت النوم» للسيدة فيروز حتى خيل إلينا بأنها ستنهض من بين الجمهور لتعانق نجلها حبا ًوحناناً.
حفلات زياد انتهت لتمنح الجمهور السوري ذكرى جميلة تطبع في ذاكرته، وتضيف إلى رصيده المعرفي والثقافي بأن اطلع على جانب ثري ومهم جداً من تراث وإنجازات زياد الرحباني، إضافة إلى مرافقة متميزة للكثير من المواهب الفنية الرائدة في الغناء: مي شبشب، نيكول شويري، رشا رزق، ليندا بيطار، منال سمعان، نهى ظروف، ليال ضو، مايا ديب، باسل داوود، خضر بدران، وفي التمثيل: برجيس صليبا، رضوان حمشو، وهو ما يشفع للجهة المنظمة (ربيبة الاحتفالية) الكثير من الأخطاء المنغصة والعثرات التي كادت أن تكون فادحة وعلى كل حال «منيحة ..!!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
413