تصبحون على وطن.. دمشق.. بين المستعمرين والمستثمرين!!

دمشق، أقدم عاصمة مأهولة في العالم... على مدى العصور، اتسع صدرها لأبنائها الطيبين.. ضاقت على الغزاة الطامعين... تقرأ في أزقتها، جدرانها، أوابدها... حكايات أمس عابقة بألوان الحضارات والوجد الانساني..

ودمشق القديمة، تتموضع على رقعة بيضوية الشكل، قطرها الطويل: الشارع المستقيم، أو شارع مدحت باشا اليوم وطوله 1600م، وقطرها الصغير 1000 م ويمتد من باب الفراديس إلى الباب الصغير، وكلا القطرين يشكلان، حسب تخطيط المدن الإغريقي والروماني، المحورين الرئيسيين اللذين ينتهيان بساحة عند تقاطعهما، وتسمى «الفوروم» عند الرومان «والأغوار» عند الإغريق.. وبهذا تكون دمشق الآرامية والأحياء اليونانية الجديدة ودمشق الرومانية داخل السور الذي تهدم قسم كبير منه، ولم يبق سوى القسم الممتد من باب السلام إلى باب شرقي.

 في دمشق خرج الإنسان من كهفه وأسس القرى المبنية واستقر فيها وأنتج القوت.. وبهذه الأرض الطيبة صنع أدوات إنتاجه و طورها. وعلى صخورها شكل أولى انطباعاته الفنية عما يحيط به من أشياء ويواجهه من ظواهر.

هذه هي دمشق بين الألف الثامن والألف السادس قبل الميلاد... وسارت دمشق تتغير وتتغير، وسجل التاريخ ملحمة العصور على صخورها وبيوتها ومعابدها وأسوارها وأبوابها وحماماتها وأسواقها..... وبقيت دمشق!!..

ونقرأ في دمشق المعاصرة:

ـ في النصف الأول من القرن العشرين عام (1936)، وفي ظل الاحتلال الفرنسي، تقدم المهندسان الفرنسيان الصهيونيان (إيكوشار ودونجيه) بخطة لتنظيم مدينة دمشق، والذي يهدف في النتيجة إلى تدمير كامل المعالم الوطنية للمدينة العريقة وطمس هويتها الحضارية.. بحثاً عن بعض الآثار التوراتية..

في عام 1968 كان هناك مخططان تنظيميان للمدينة:

ـ الأول يقترح إشادة دمشق الجديدة خارج المدينة القديمة، حفاظاً على نسيجها المعماري المتميز كذاكرة وهوية وطنية.. وكان الاقتراح أن تبنى المدينة الجديدة في منطقة الديماس قرب دمشق..

ـ الثاني: نسخة طبق الأصل عن مخطط (إيكوشار ودونجيه)!!!..

والنتيجة: جرى تبني المخطط الثاني!!!..

ونتيجة تلك النتيجة.. و للتردي المتلاحق للأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية.. صبّت سورية ثروتها البشرية باتجاه العاصمة!!.. مدينة لاتتسع لأكثر من بضع مئات الآلاف من السكان، تحمل نحو ثمانية ملايين نسمة.. شوارعها هي هي.. مدينة غافية على رقعة بيضوية.. أحاطت بها أحزمة الفقر كأنشوطة في رقبتها.. اختناق يومي.. لم تعد ساعات الذروة مرتبطة بوقت محدد.. أصبح اليوم كله ذروة..

دمشق التي صمدت بوجه كل الغزاة الطامعين .. تئن اليوم تحت وطأة جراحها المثخنة بطعنات القرارات والقوانين الجائرة بحق ترابها وهوائها وناسها... فمن الإنهاء القسري لوسائل النقل الجماعي (شركة النقل الداخلي).. إلى إدخال الفئران البيضاء الملوثة (السرافيس).. إلى آخر الأخبار عن السماح لشركة الخرافي الكويتية بإقامة مشروع لسيارات الأجرة في سورية يعمل على نظام (راديو التاكسي) والذي سيستخدم سيارات حديثة صنع عام 2004 تماشياً مع (الوجه الحضاري) لسورية.. دون التفكير بمصير آلاف العائلات التي تعيش من وراء العمل على سيارات التاكسي في البلاد..إلى وإلى...

ازداد الاختناق والعطش.. فقررت الحكومة السماح باستيراد الكوكا كولا (الأمريكية ـ الصهيونية) وجميع أنواع المياه الغازية إرواءً للظمأ...

ازداد التصحر.. فبدأت الحكومة ببيع أراضٍ سورية لشركات استثمار عربية ودولية.. من شركة أبناء أبن لادن في الصبورة.. إلى مشاريع إماراتية (الفطيم) لإشادة مشاريع فندقية سياحية تجارية ترفيهية.. لتكون سورية (قبلة لرجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب)..

في ميسلون تصدى العظمة ورفاقه الميامين للمستعمرين عند مدخل دمشق .. واليوم تباع الأرض بحلة استثمارية للمستثمرين الجدد..

تئن دمشق.. وما زال بناء فندق (الفورسيزنز) لصاحبه المتواطئ مع الحركة الصهيونية يستكمل لمساته الأخيرة..

 ■ كمال مراد

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
228