حوار مع الأديب القاص نور الدين الهاشمي ■ تراجع الثقافة أمام «ثقافة» التسطيح والتعليب! ■ الكاتب الجريء له خطوطه الواسعة المرنة.

■ لمن تكتب ... ولماذا فضلت القصة على غيرها من الأجناس الأدبية الأخرى.

• ربما كان الجواب سهلاً على سؤالك منذ عشرين أو ثلاثين عاماً حين كان الكتاب جزءاً هاماً من حياة الناس وكان للكلمة دورها المؤثر..

أما الآن وقد تراجعت الكلمة أمام طوفان الصور وتراجعت الثقافة الحقيقية التي تخاطب العقل وتحاوره أمام ثقافة التسطيح والتعليب ولذلك فإنني أكتب لهذه البقية الباقية التي مازالت صامدة مؤمنة بالكلمة ودورها وأحلم أن تصل كتابتي إليهم وأن تحطم السور ا لذي يبنى بشراسة حول الكلمات الصادقة الواعية حتى تصل إلى الجماهير التواقة إلى هذه الكلمات.

القصة فيها دفء الحياة ونبضها وهي قادرة على إعادة رسم الحياة كما يشاؤها الكاتب مقدماً الصورة التي يريد ناقلاً الواقع أحياناً أو قالباً هذا الواقع عابثاً فيه بدافع السخرية والتهكم المرير.

■ نلاحظ أزقة المدينة القديمة وشوارعها المظلمة في نصوصك، هل هي الذاكرة المتقدة أيام مرحلة الطفولة والهاجس العبثي؟ وماذا قدمت لك هذه المدينة؟!

• عشت طفولة غنية ثرية في حي شعبي من أحياء مدينة حمص التقيت فيه وأنا طفل مع أجيال شتى بعضها عاصر آواخر الدولة العثمانية وعانى من الحروب والمجاعات وبعضها قاوم الاستعمار الفرنسي وجيلنا كان جيل الطموحات والأحلام.. كما أن هذا الحي غني بشخصياته المتنوعة.. غني بآثاره وهذا ماترك أثراً حياً نابضاً في ذاكرتي يستحيل نسيانه.. وقد قدمت لي مدينتي الكثير بأساتذتها الكبار ومكتباتها ومنابع الثقافة والمعرفة فيها وأحيائها وأسواقها ومساجدها وكنائسها وأناسها.... ومن الطبيعي أن كثيراً من الأشياء التي عشتها في طفولتي قد تبدلت وتغيرت في الواقع لكن ذكراها وصورها ماتزال في الذاكرة المتقدة.

■ هل الإحساس بالغربة داخل الوطن عند الكاتب له علاقة طرداً مع الإحساس بالوعي المؤثر وإنتاج هذا الكاتب؟

• لايوجد أديب حقيقي لايشعر بهذه الغربة مع الواقع لأن الأديب يرسم عالماً مثالياً جميلاً ويطمح إليه ولايتخلى عنه وكل مايكتبه ويقوله هو في سبيل الدفاع عن هذا العالم الجميل الذي يتمناه أن يتحقق والإحساس بالغربة يأتي من تحطم الأحلام وبطء تحقيقها أو الإحساس باستحالة ذلك وقد يتطلب إحساس الأديب بازدياد الغربة إما إلى يأس كامل أو إلى البحث عن وعي جديد يفسر أسباب مايحدث.

■ لانرى توجهاً وصفياً لديك، فهل تميل إلى الدخول في الحدث أكثر من الحفر حوله لاقتلاعه من شبكة العلاقات المتردية؟

• في قصصي أميل إلى الدخول في الحدث مباشرة لأورط القارئ مباشرة في قصتي أو حكايتي.. لأني أعتقد أن الوصف في كثير منه هو عبء شديد على الحكاية يوقف سير الحدث وهذا مايصرف القارئ عن القصة وخاصة أن إيقاع العصر الآن هو إيقاع سريع ولايحتمل التمهيد والاستفاضة والإنشاء وهذا لايعني أنني لا أستخدم الوصف بل أستخدمه ولكن في سبيل تطوير الحدث وبناء الشخصية.

■ كيف تتعامل مع الخطوط الحمراء؟

• لايوجد حرية مطلقة في أي دولة في العالم حتى في الدول التي ترفع شعارات الديمقراطية والحرية ومفهوم الخطوط الحمراء يختلف كما أعتقد من كاتب إلى آخر فالخطوط الحمراء عندي هي عدم الإساءة إلى رموز الوطن والمقدسات الدينية وعدم التحريض على العنف والطائفية وماعدا ذلك فقد تحدثت عنه في قصصي بجرأة كما أعتقد... إذن فالخطوط الحمراء هي من صنع الكاتب نفسه فالكاتب الجريء له خطوطه الواسعة المرنة والكاتب المتردد يحيط نفسه بخيوط تحاصر أدبه فيضيق على نفسه وعلى أجنحة الكلمة.

■ هل ثمة إشكاليات في موضوع الحرية أمام الكاتب المتمسك بالأعراف؟

• المجتمع العربي هو مجتمع متدين، وللدين تأثير كبير جداً في حياة الناس وأخلاقهم وعاداتهم ومعاشهم ومن الطبيعي ألا يتعرض الكاتب الواعي لمعتقدات الناس الدينية ولكن يمكن أن ينقد الشوائب والرواسب التي لحقت بهذه المعتقدات وكادت أن تخنقها وتقضي عليها.

■ انتشرت ظاهرة تعدد الأجناس الأدبية لدى بعض الكتاب. هل هي حالة الاستعراض أم تخبط أم طاقة عند الكاتب عليه أن يفجرها في كافة المجالات بعيداً عن الاختصاص؟

• تختلف ظاهرة تعدد الأجناس الأدبية من كاتب إلى آخر فهناك كتاب يمتلكون طاقة كبيرة لايمكن لجنس أدبي واحد أن يتسع لها ولذلك فهم يكتبون في أكثر من جنس ويبدعون فيما يكتبون ويمكن أن أذكر هنا على سبيل المثال الأديب وليد إ خلاصي فقد كتب في القصة القصيرة والمسرح والرواية وهناك كتاب ينتقلون من جنس إلى آخر كنوع من (الموضة) دون أن يبدعوا في أي جنس وهذا لايعني أن من يكتب في جنس واحد هو أديب ضعيف الإبداع لأن المسألة تتعلق في فنية هذا المبدع..

وهناك كثير من الأدباء الكبار لم يكتبوا إلا نوعاً واحداً وكانوا مبرزين فيه جداً وأذكر هنا أيضاً على سبيل المثال الأديب زكريا تامر فهو لم يكتب إلا في القصة القصيرة ويعتبر علماً كبيراً من أعلامها وسعد الله ونوس الذي كان المسرح أهم ماكتب.

■ دفعت الآلة الإنسان إلى السرعة في كل شيء... وكان من نتائج ذلك أنها دفعت القصة لتتحول من حالة اجتماعية وإنسانية إلى لحظات آنية وإلى الاختزال مثل الأمثال الشعبية.. أو النكات.. هل هو استهلاك أم ماذا... وهل ثمة من قصة قصيرة.. جداً..جداً؟

• القصة القصيرة جداً نوع من أنواع السرد الذي عرفه ا لأدب الغربي وهو نوع من أنواع القص ولاأعتقد أنها نتيجة من نتائج السرعة أو الآلة.. بدليل أن روايات طويلة ومشهورة قد كتبت حديثاً وفي الغرب نفسه حيث اخترعت الآلة. وتلاقي هذه الروايات إقبالاً شديداً.. ويمكن أن نفرق بين نوعين من كتاب القصة القصيرة جداً.. فهناك كتاب يكتبون هذا النوع عن دراية وتمرس وبعد أن أتقنوا كتابة القصة القصيرة العادية فتأتي قصصهم ناضجة واضحة الهوية مكتملة الشروط الفنية..... وهناك كتاب يمارسونها هرباً من كتابة القصة العادية متوهمين أنها فن سهل وهذا ما أدى إلى طوفان من القصة القصيرة جداً الذي يفتقر إلى أبسط شروط هذا الفن من حدث متتام كثيف وعميق في الفكرة ونهاية مفاجئة وامضة.. وسوف يتلاشى هذا النوع من القصة بسرعة ولن يصمد لغربلة الزمن.

■ أين النقد من واقع الأدب. هل هو موجود؟ أم أننا نحتاج لهزة تعيدنا إلى صواب النقد والأدب؟ وإن وجد. فماذا قدم لك؟

• أعتقد أن نقاد القصة القصيرة قلائل جداً.. فمازال النقد لاحقاً متأخراً جداً عن الإبداع ولم يقدم لي النقد حتى الآن شيئاً هاماً يؤثر في تجربتي ويقيمها مع أنني أتنمى ذلك.

■ يبدو في زمننا أن كل شيء يبدو فريسة الدعاية بما في ذلك الدعاية الأدبية. وغيرها كما هو الحال في الأعمال الدرامية. نرى اسم المخرج والممثل يلمع كنجم أكثر من الكاتب. ألا ترى بذلك إجحافاً بحق الكاتب؟

• ذكرت في أحد أجوبتي أن العصر الآن هو عصر الصورة ويطغى التلفاز بتأثيره السلبي غالبا ًعلى بقية الفنون ولذلك فلا عجب أن يشتهر الممثل أو المغني أو المخرج وينسى الناس الكاتب الذي قد يكون أحياناً وراء هذه الأعمال.. ومعك حق فهذا إجحاف بحق الكاتب الذي قد يغفل اسمه أحياناً من بعض الأعمال مع أنه مبدعها..

■ عندما تكتب عملا ًدرامياً، هل يكون في هاجسك ياسر العظمة.. أم أنك تكتب النص بعيداً عن تحديد صورة الممثل والمخرج ؟

• عندما أكتب لوحات (مرايا) يكون هاجسي الأساسي عمق الفكرة جرأتها.. طرافتها والحبكة القصصية المتقنة القادرة على حمل هذه الفكرة دون مباشرة.. أما قضية من سيأخذ هذا الدور أو ذاك فهذا يعود للمخرج بالدرجة الأولى وكثير من اللوحات التي كتبتها لم يكن الفنان ياسر العظمة بطلها أو اختار دوراً بسيطاً فيها.

لكل تجربة خصوصيتها وعلاقتي مع الفنان ياسر العظمة تمتلك هذه الخصوصية فنحن نتفق كثيراً في أفكارنا ورؤيتنا للحياة وتحليلنا للأحداث بالإضافة إلى العلاقة الإنسانية بيننا التي استمرت على مدى ست سنوات ومازالت. وهي قائمة على الفهم والاحترام والصراحة والإخلاص.

■ قدمت للكبار كثيراً من الأعمال التلفزيونية فماذا عن الأطفال وخاصة أن لديك اهتماماً بأدب الطفل.

• قدمت للأطفال خمسة أعمال وهي: رحلة الحظ ـ وادي الكسلان ـ سفينة الأحلام ـ الرجل الآلي ـ المهر الوفي... وقد وافق التلفزيون العربي السوري على إنتاج فيلمين للأطفال من تأليفي وهما: أزهار الصداقة ـ يوم واحد.

كما كتبت مؤخراً عدداً من أفلام الكرتون لشركة النجم من مسلسل ينتج الآن واسمه (خمسة ـ شارع الأصدقاء).

■ ماالذي ستقدمه في الآتي؟

• أشارك الفنان ياسر العظمة في كتابة وإعداد مرايا 2004 ولدي الآن مجموعة قصصية رابعة قيد الطبع بعنوان (يوم بكى الشيطان).

■ الفنان في سطور

• ولد في حمص عام 1945 يحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1971.

• عمل مدرساً للغة العربية في سورية وبعض الدول العربية.. واستقال 1995 ليتفرغ للكتابة.

• يكتب القصة القصيرة وأدب الأطفال والدراما التلفزيونية للكبار والصغار.

• نال عدداً من الجوائز المحلية والعربية.

• من مؤلفاته للكبار: نداء في ليل المدينة ـ قصة انتحار معلن ـ الدوران في قاع الزمن. من مؤلفاته للأطفال: غدير الغزلان ـ الصيد الثمين ـ جبل البنفسج ـ أغلى الأبناء ـ الدب الطماع.

 

■ أجرى اللقاء: سائر جهاد قاسم

معلومات إضافية

العدد رقم:
228
آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 14:33