شكراً لأنك كنت..
«... واستطاع القلب أن يعوي وأن يعد البراري بالبكاء الحر»..
عام مضى تعلمنا فيه الفقد، فشاعر الحياة غلبه الموت، ولم ينتظره لينهي الحكاية، لم يكن صياداً شريفاً، لم يخجل من نفسه، كان أقسى من قلب الشاعر الرقيق.
فيا أيها الكبير والكثير هل أنهيت زيارتك للزمان والمكان؟ هل أنهيت عملك على ظهر السفينة؟ هل قرأت ما تدونه السماوات البعيدة من رسائل؟ كيف يمكن الحديث عنك وبأية لغة وأنت من كنت لسان حالنا؟
يا من كتبتنا وكتبتنا، من سيكتبك واللغة تتلعثم أمام فضاءاتك؟ أين سافرت وتركت المعنى وحيداً يضيق باتساع غيابك؟ فهل ستزف اللغة إلى كنوز الجمال لتحفل بالمدارات؟ وهل ستسير السماء الآن على أرض دمشق حافية، ويعبر الحالمون درب الحلم واثقين.
عام مضى لندرك أنك لم تكن لك.. كم كنت لنا نحن من كان ينتظر ما تعزفه يداك على أوتار روحنا لنضبط نشازنا، وبعدك فقدنا متعة الانتظار..
رحل شاعر الحياة الذي كانت أشعاره زاداً لكل من حمل قلماً، تغلغلت فينا حتى غدت نكهة التفاصيل، أغنية للباحثين عن وطن وأمل، معه تعرفنا على موسيقا جديدة وحداثة جديدة وأفق من البلاغة والاستعارة والصور يتسع ويتسع على احتمالات رؤيا لا تنتهي، فقد وضع شعرنا في ركب العالمية والطموح الكوني من خلال تخطيه المحلية والانطلاق نحو قضايا أكثر اتساعا وإيغالاً في العمق الإنساني والوجود، لإضاءة الزوايا المعتمة في النفس.. لنرى مقاومة القبح بالجمال ومقاومة المستحيل بالممكن. فلقد كان أبا للغة يدللها ويربيها لتزهر في خريف الحياة، يبني منها وطناً للدفء وجسراً للعبور فوق هوة المنفى إلى حلم مضاء. وها نحن في حضرة هذا الغياب نبحث عن أب جديد للغة، فهل ستحفل بشاعر مثلك. فشكراً لأنك كنت.. شكراً لأنك مازلت تغذي أفقنا باحتمالات الطيران إلى المدى.. شكرا لقصيدتك الخضراء نستطيع أن نغقو بين سطور أشجارها وحروف أنهارها، حيث نحلم ونحلم [سنصير يوماً ما نريد]. رحلت إلى السماء لأن الأرض ضاقت في امتداد حلمك، رحلت لتدون نشيد النجوم وحكايات الغمام... حاضراً تكمل الغائب، غائبا تكمل الحاضر.. آه لو تعود من السرمدية الغامضة فتخبرنا الحقيقة!!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 416