الفصيح مالا يحتمله الكلام القليل
مع أن خيره ماقل ودلً، غير أنه، (ونعني) العنف والعنف المضاد، لايحتمل الكلام القليل، ذلك أنه كثير وكثير وكثير، حتى ليمكن أن يكون أكثر طولاً من التاريخ المقروء نفسه، بما فيه ذلك المكتوب على بوابات المغاور على شكل ضباع وغزلان، والعنف والعنف المضاد، ليس كما يحلو أن نراه مجرد أكياس رمل يقبع وراءها مموهون قاتلون، فوراء كواليس المسرح، وفي البيان الثقافي، وتحت القصائد التي يكتبها شعراء مخضرمون طالما اختبأ العنف حتى يكاد أن يخجل «المارينز» لو علموا به وكف «الغوستابو» أن يكون عنيفاً بالقياس مع عنف المثقفين، وللحصر بعد التعميم، فمن يعرف كواليس النخب الثقافية في بلادنا بوسعه إدراك ذاك العنف الواصل إلى حدود الإرهاب، ومرة أخرى، بما يفوق الإرهاب الذي يحلو للمثقفين الحديث عنه بدءاً من مجالس نميمتهم، وصولا إلى كتابهم المقروء.. وغيض من فيض بوسعنا تثبيته في هذا الكلام الذي يأتي فوق التوقيع:
* مرموق مسرحي، يحلو له أن يقول أنه ابن لرجل شحاذ، يتحوًل وفي ضربة جهد ونصيب إلى حاكم لمساحة فوق خشبة، ولأن المساحة لاتتسع له يضيقها على سواه حتى حدود استخدام صلاحيات كانت بالأساس ممنوحة للمخافر الحدودية، فيتهم مخرجاً مسرحياً بتهريب ممثلة مسرحية إلى الخشبة، وتحت الستارة، مافي الرمانة من القلوب الملآنة ، وفي القلوب ضريبة عينية على الممثلة أن تدفعها قبل صعود الخشبة، فمن لاتصعد حواف المتعة لاترتفع الستارة عنها أو عليها.
* كاتب مسرحي، دخل حدود المقدس، وانقسمت الجماهير إلى مناصر له، أو مناصر له، وفي كلا الضفتين لم يقرأه المناصرون أو جزء كبير من المناصرين، وحين يعثر عابر في الطريق على مسرحية كتبت في خمسينيات القرن، وتمت سرقتها بالحرف من الورق الأصفر المرمي تحت جسر الرئيس، ونسبت إلى الكاتب الذي دخل التاريخ، لايجرؤ العابر على الهمس بما حمله الكتاب الأصفر الأساس، لأن من يدخل حدود (التابو) يدخل معه وحتى القبر أية همسة وحاملها فيما لو همس هامس بما عثر عليه تحت الرصيف، ودعونا لانذكر أسماء، فمحاكم التفتيش ليست أكثر قساوة من محاكم المثقفين (وحصرا المثقفين الثوريين ).
* منذ انطلاقة الإنتاج التلفزيوني، انطلق مع المنطلقين استبدال الكاباريه باللوكيشين، وحصراً قبل البدء بالتصوير وبعده، حتى كاد المشروع الذي يمكن تصنيفه على الثقافي أن يتحول إلى مشروع تأخذ منه جهات الإنتاج من الاغتصاب والمتعة مالم يأخذه بلاط هارون الرشيد.
* في المؤسسات الخاصة مايتجاوز المؤسسات الثقافية العامة، ومع ذلك فالمساحة كافية لتتسع إلى كم هائل من الاغتصابات الإرادية، من اغتصاب الجسد الإنساني وصولا لاغتصاب الرأي والموقف والابتسامة، وآخر نكات السوق.
وإذا أمعنا في الفضائح التي لاسواها سواها، فالقوانين التي تحمي اللصوص بما فيها قوانين التفكير والتدبير، قد لاتقتضي الذهاب إلى المحاكم لحماية الحد الأدنى من حقوق الإنسان، ولكنها تقتضي مجموعات أهلية مناصرة لحقوق الإنسان، على الأقل ذاك الذي يملك النسخة الأساس من النص المسروق الذي بات من أبرز مسرحيات القرن منسوبا الى لص كاتب بات أعلى من أن تتناوله الشبهات على الأقل لأن من يغمز عليه لابد وأن تغمره الشبهات.
في تاريخ الطغيان انتسب الطغيان منذ الطلقة الأولى إلى سلاح المظليين الذين يحطون أحمالهم ورصاصهم فوق صدور متمردين يتنقلون مابين الكهوف والكهوف.
لم يحدث مرة واحدة أن انتسب الطغيان إلى مثقفين يعملون رصاصهم بما يفوق رصاص سلاح المظليين.
هل ثمة محكمة واحدة تنعقد ولو مرة واحدة (للكلام والكلام فقط ) عن ذلك الاغتصاب الفظيع الذي يمارسه مثقفون (ديمقراطيون) على الثقافة، مزاجا وإنتاجا وتحكما، ليغدو الطغيان الحريري رائعا فيما الطغيان الحديدي مدان ؟
كلام قليل، لو ثمة فسحة لشجاعة أعلى لكان الكلام كثير.. كثير.. كثير.
ثمة فسحة أخرى.. ليتنا نقترح استطلاع رأي على الأقل بين العاملات في الثقافة.. وبتحديد أكبر في الثقافة المرئية التي باتت مطبعة القرن الواحد والعشرين.. لو أتيح ذلك لما كان ثمة نهاية للكلام.
* الديك
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 168