الجيل الجديد في الفن التشكيلي تكامل بين الماضي والمستقبل
بعد تخرجهما من كلية الفنون الجميلة في دمشق بدأ كل من الفنانين ياسر حمود وعلي العلي القادمين من الشمال السوري مسيرتهما الفنية والتي أخذت تصقل بالتراكم وعامل الزمن والخبرة لتنضج وبات اسم كل منهما معروفاً في الأوساط الثقافية والفنية، من بين مجموعة من الفنانين الذين ينتمون إلى الجيل الجديد في الفن التشكيلي، وتأتي أهمية كل من حمود وعلي من خلال التقنية التي يعملان بها وأسلوبية عملهما، والتي تذكرنا بفن الحفر الذي أصبح وجوده هذه الأيام نادراً مع طغيان الأنواع التشكيلية الأخرى على الساحة الفنية، وفي أعمال كل من ياسر وعلي جرأة أثبتت وجود أعمال تحمل كلاً من الأهمية والبراعة سواء على الصعيد الفني التقني أو على الصعيد المعنى والموضوعات.
يندرج هذا اللقاء ضمن مجموعة من اللقاءات والتحقيقات التي تجريها «قاسون» لاستطلاع الرأي واستبيان مجموعة من الأفكار المتعلقة بقضايا ثقافية وفنية متنوعة، على شرائح وأشخاص مختلفين ومتنوعين، نتابع في هذا العدد طرح أسئلة القديم والجديد والأيديلوجيا.
* هل باستطاعتنا الحديث عن فصل أو تقسيم ما بين جيل قديم وجيل جيد في الفن التشكيلي؟
** ياسر: بالنسبة للفن لا يوجد هناك عمل قديم وآخر حديث، القديم نفسه حديث، توجد مدارس، وتجارب، ولهذه التجارب معطيات، من الناحية الأكاديمية نستطيع الحديث تقسيم بالشكل التالي بدايات للظاهرة الفنية في سورية وما وصلنا إليه اليوم، فمع البدايات كان التشكيل تابعاً للغرب بشكل من الأشكال، وكانت اللوحة القادمة من الغرب بمفهومها وفلسفتها جديدة بالنسبة لنا، إنه شيء أقرب إلى التقليد، ومع مرور الزمن، نجد أن الفنانين بدؤوا بالعودة إلى التراث، لكن بالاستمرار مع الأدوات الغربية والفلسفة الغربية، ورويداً رويداً بدأت الهوية تظهر في مجموعة من الأعمال وتتأصل، هوية محلية تسعى لتكشف التراث. وهكذا بدأنا نرى مع الأجيال الأقرب زمناً إلينا استقلالية واضحة بدون أي تبعية وهذا هو الشكل الأقرب للحديث عن تقسيم من هذا النوع.
* لكن التبعية لم تتوقف تماماً فنحن ما زلنا نرى أدوات وطرائق تفكير غربية وغريبة عنا؟
** ياسر: ليس بالشكل نفسه، يجب ألاّ ننسى أن الفن التشكيلي كغيره من الأشكال الفنية المحدثة، لا نستطيع أن ندعي أنه فن ابن هذه المنطقة، بشكله الحالي، إنه ليس نتاجاً لتطور منطقي لفنون المنطقة، إنه كغيره من الفنون الكثيرة التي دخلت إلى البلد، لكننا بتنا نتلمس خاصية وهوية في طروحات الكثير من الفنانين، وبتنا نجد في الكثير من الأعمال نظرة يمكن أن تطلق عليها رؤية من منظور شرقي أو إسلامي.
** علي: وهذا الأمر لا يتوقف على جيل الشباب بل ينسحب بالضرورة على الأجيال التي سبقتنا فلا يمكننا أن نتكلم عن فصل بهذه الحدة في الفن.
* لكننا نستطيع أن نقوم بمثل هذا التقسيم في المسرح أو الأدب؟
** ياسر: في الفن الأمر مختلف، لماذا لا يوجد هذا الفصل. فاتح المدرس مثلاً مازالت لوحاته تنبض بروح الشباب، فاتح المدرس في لوحاته بقي شاباً مثلنا إلى الآن، وربما أكثر شباباً منا في التشكيل، الأمور تختلف، ربما حديثك قد يصح في أنواع الفنون الأخرى فللمسرح، وللأدب معطيات أخرى ولا يمكننا الحديث عن مثل هذا الفصل الواضح في الفن التشكيلي.
* هل هناك أمثلة غير فاتح المدرس؟
** علي: بالطبع هناك أمثلة كبيرة، جيل كامل كان سباقاً في مجال التجديد، ونذكر على سبيل المثال عبد الله مراد، نذير نبعة، الياس زيات.
** ياسر: نستطيع أن نتابع في أعمال هؤلاء وغيرهم ممن ينتمون إلى فترات زمنية متباعدة ومختلفة، شطحات تفوق جيلنا الآن من التشكيليين، وقد قلت لك من البداية أنه لا توجد الآن لوحة قديمة انتهت وعفّى عليها الزمن. الفن الحقيقي ليس موضة أو شريطاً غنائياً، كله ينضوي ضمن إطار واحد.
لكننا طبعاً إذا أردنا الحديث عن الحداثة، أو غيرها من المفاهيم أو الأسلوبيات المتصلة بالفن، كإدخال البعد الثالث، أو مسرحة العمل الفني، أو حتى مفهوم تداخل الفنون مع بعضها بعضاً، عندها نصبح خارج إطار اللوحة، وهذا أمر حديث قياساً بالمفهوم الزمني للفن.
** علي: طبعاً توجد إضافات هناك شباب أضافوا في فترة ما بعد الرواد فالفنانون الذين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة عملوا وأضافوا، بعد فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كان هناك جيل كامل ترك أثراً لكنك تشعر أنه لم يكن قد ظهر كالجيل الذي قبله بشكل واضح، وتستطيع أن تقيس ذلك من خلال صالات العرض. فالذين يعرضون أعمالهم هذه الأيام هم أنفسهم وأعتقد أن هذا الجيل عندما كان بعمرنا أتيحت له الفرصة ليقدموا أنفسهم بشكل أفضل، وأنا أتحدث عن جيل الثمانينات، وما بعد لم يظهر تماماً ولم يثبت نفسه بشكل واضح باستثناءات قليلة ،وأظن أنها ترتبط بمجموعة من الظروف والمعطيات المتعلقة بالفن بشكل عام فقد أصبحت هناك مجموعة من الصعوبات، بشكل عام، الكل يحاول والكل يملك تجاربه، ويحاول وطبعاً أنا أتحدث عن الناس الذين يعملون بالفن بشكل جدي، ويملكون مشروعاً.
* أمازالت هناك تأثيرات غربية قوية على الأعمال الفنية؟
** علي: إن للعوامل الغربية تأثيراً كبيراً على الأعمال الفنية وسأضرب مثالاً قريباً، عمر حمدي الذي عرض في الأتاسي، لقد عمل -حسب حديث له- في أدنى درجات التسول في الغرب (أوربا ) في سبيل كسب خصوصيته التي عنده، ونلاحظ في الأعمال المقدمة، علاقة بين التجريد والواقع، لكن تكملة لسؤالكم السابق فإنني أشعر أن كل هذه الأنواع والأعمال هي تكملة واستمرارية لبعضها البعض، ولا يمكننا الفصل هنا، جاء فاتح المدرس وتكامل في إطار المشهد التشكيلي السوري مع نذير نبعة ومن الممكن الياس زيات في هذا الجيل وفي هذه المرحلة يستمر جيل الشباب في هذا الطرح في ما يمكن أن نسميه توالد أو تتالي والجميع يعملون ضمن دائرة زمنية فنية واحدة ولا يمكن لأحد أن ينفي أحداً أو يلغيه بل يكمله ويتممه كل يعمل ضمن نطاقه وعملية البحث عن جديد دائماً مستمرة في الفن التشكيلي.
** ياسر: المدارس الفنية الحديثة في الغرب جاءت نتيجة لتطور الإنسان داخل عصره وبيئته، ومن الطبيعي أن تشاهد تيارات ما بعد الحداثة، ومسرحة العمل التشكيلي، وغيرها من المفاهيم والتقنيات، في الغرب، بينما نحن ما زلنا محافظين على اللوحة، ليس بشكلها التقليدي تمامأً بل بمفهومها الإنساني أو المفهوم الذي يخص ابن هذه البيئة، وأنا هنا لا أسوق للتراث أو أروج لمفاهيم مثل: أن على الإنسان أن يعود لتراثه وهويته هذا ليس موضوع الحديث أصلاً، أنا أريد التحدث عن الحس الكوني وتأثرنا به في هذا العالم. أنا أرسم وفقاً لفهمي لهذا العالم ، وهو مختلف جذرياً عن الأجيال السابقة ولم تتضح هذه الفروقات لأننا مازلنا نعيش مرحلة ما بين البداوة والحضارة لسنا متمدنين تماما، وما زال باستطاعتنا أن نصور الهموم الأولى ونناقش الأسئلة الأولى، ولا أستطيع أن أناقش أمور فلسفية لم نعهدها أو مشاكل لا تمت لي بصلة لا أستطيع أن أرسم عملاً مركباً له صلة بالفضاء الخارجي وأنا لم أركب إلاّ باص نقل داخلي فكيف سأتحدث لك عن الفضاء، في الغرب يكون التطور طبيعياً ومنطقياً أن ترى مجموعات وتيارات فنية تخرج بنتاجات مركبة، طبعاً الحداثة ليست حكراً على الغرب لكن إما أن تنتمي إلى عملك وينتمي لك إن الأمر كله فعل إنساني، وقد قلد البعض هذه المدارس تقليداً أعمى واستطعنا مشاهدة بعض هذه الأعمال في بينالي اللاذقية عند الكويتيينوإن كنت قد شاهدت هذه الأعمال كنت فهمت ما أقصد.
* في الفترة الأخيرة بدأت تطغى على بعض الأعمال الصبغة التجارية، أو التي تتناسب مع ذائقة معينة. فإلى أي حد تملي هذه الذائقة شروطها على الفنان هذه الأيام؟ مثلاً بالنسبة لعلي نجد أنه أخذ يكثر في أعماله أشكالاً تقترب من الأيقونات، والتي لاقت رواجاً بالنسبة لهذه الشريحة وذائقتها فهل تؤثر هذه المعادلة على أسلوبية عمل الفنان؟
** علي: طبعاً لقد عملت في هذا الاتجاه وقد أحببته بدايةً كفلسفة أدبية وطرحته في أعمالي، لقد جاءت محبتي لتجسيد المسيح والأيقونة من الناحية الأدبية أولاً وقد لاقى إقبالاً ، من الممكن أن يكون المنحى التجاري طغى على بعض الأعمال، ولكن لا يمكن الاستمرار بهذا الشكل، لا أستطيع أن أتخلى عن نفسي، ويمكنكم أن تلاحظوا الفرق بين معرضي الأول في الكنيسة ومعرضي في المركز الثقافي الفرنسي، ففي المركز الفرنسي طرحت الكثير من أفكاري، كنت فيه أنا نفسي، لكن التوجه في الكنيسة كان مختلفاً قليلاً، مع محافظتي على خصوصيتي، في النهاية هناك فصل وهذا الفصل أصبح معروفاً في صالات العرض، هذه الصالات يمكن أن ترى إن كان العمل يطغى عليه الحالة التزيينية ويمكن أن يخدم غرض التسويق فتعرض له، ويمكن إن كانت اللوحات لا تندرج ضمن هذا التوجه فسوف تتلقى اعتذاراً لائقاً.
* وفي أي من المعرضين وجدت تجاوباً أكبر؟
** علي: في المعرض الذي أقمته في الفرنسي بالطبع والذي قدمت نفسي فيه، وانا لا أتكلم عن الناحية المادية هنا.
* والبيع؟
** علي: في معرض الكنيسة.
* هناك إذاً فصل بين كل من الاثنين؟
** علي: بالتأكيد.
* ياسر هل أنت مع هذا الفصل؟
** ياسر: في هذا الحالة من الممكن أن يكون المرء دهاناً أو فراناً إلى جانب مشروعه الفني كما تستطيع أن تجد كاتب قصة يعمل في إدارة التبغ والتنباك، ولكن هذه الأيام نستطيع أن نشاهد أعمالاً تطرح بصيغة فنية تجارية وهذا أمر له علاقة بالموضة بالديكور ولهذا النوع نقاده وفلسفته، وحتى في الفن التجريدي أصبح هناك تجارة، بالرغم من أن الكثيرين لا يفهمونه، وأصبح هناك ناس يعتبرون الفن التجريدي موضة وأصبحنا نتابع أعمالاً تجارية لا تنتمي إلى الفن بشيء.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 168