ثقافة الهزيمة والتسوية.. والرأي العام!!
منذ مدة قصيرة نقلت الفضائيات صورة يجدر الوقوف عندها: على مقربة من جرافة يقوم مستوطن بفرم أغصان زيتونة وهو يدور حولها في حالة من الوجد، في حين كان صاحبها محجوزاً من الجنود، يضرب على رأسه ويصرخ ملتاعاً: الزيتون الزيتون..
لو كان قطع الزيتونة يدخل ضمن متطلبات الكيان فقط لقامت بقطعها جهة رسمية، لكن دور الجهة الرسمية هنا هو حماية صلاة المستوطن، فلقد أمر بقطع كل شجرة طيبة يملكها الفلسطينيون. ولقد راح ضحية هذه الصلاة، من أشجار الزيتون مليون شجرة، وذلك على مرأى من كاميرات وسائل الإعلام الغربية.
بالطبع لايمكن أن يدخل كل هذا التخريب للمزارع والمداجن والآبار، وكل هذا التجريف للأرض وتدمير المنشات الحرفية والصناعية، وكل هذا القتل للأطفال وتدمير البيوت 700 طفل دون العاشرة و15 ألف منزل خلال الانتفاضة، لايمكن أن يدخل ضمن مقتضيات الأمن، كما أن الأمن ليس مبرراً لارتكاب هذه الجرائم.. لذا لابد من النظر في دور العقيدة، وفي هدف تقويض أسس حياة الفلسطينيين من أجل دفعهم للهجرة، وبعبارات قادة الكيان: استكمال حرب 1948..
إذاً إسرائيل لاتولي اهتماماً لوسائل الإعلام، بل كثيراً ماتعرّض الصحفيون للضرب والإهانة، عدا القتل، فهي منصرفة إلى تكريس الحقائق، لأن هذا هو مايمكث في الأرض..
نحن على النقيض من ذلك، فلقد وصلنا في تقديرنا للرأي العام (الغربي) إلى درجة غير معقولة.. فأثناء نقل المقاومين الذين اعتصموا في كنيسة القيامة تمهيداً لترحيلهم، أطلق أحدهم عيارات نارية من نافذة الحافلة. أحد المواطنين استنكر هذا العمل على أساس أنه قد يرضينا لكنه لايرضي الرأي العام (الغربي).. إلى هذا الحد وصل الأمر ببعضنا!!..
لقد أصبح العربي يضبط تفكيره على إيقاع الرأي العام في الغرب الاستعماري.. يحدث هذا لكثرة ماورد هذا المطلب على مسامعه.. أناس غالباً مايكونون سيئي النوايا.. طامعين بامتلاك العالم وخسارة أنفسهم وقضيتهم.. وهم بذلك يدفعون به إلى السلبية والخمول والإحساس بالدونية والعجز.. وهذه صفات لاتجلب احترام وتأييد كائن من كان.. وبالتالي يجدر هنا التذكير ببعض الحقائق:
ـ السفن التي كانت تنقل بيانات الثورة الفرنسية عن الحرية والمساواة والإخاء، هي نفسها كانت تنقل، وبنفس الرحلة، الزنوج العبيد إلى أمريكا..
ـ عندما أهدى أحد الفنانين الفرنسيين تمثال الحرية المعروف إلى الأمريكيين، كان استغلال العبيد مايزال على أشده في أمريكا..
ـ العارفون بالمجتمعات الغربية من داخلها، يقولون أن الغربيين يتمنون هجرة اليهود من أوطانهم.. ومنهم من يعتبر (منح) فلسطين لليهود غسلاً لعقدة الذنب الناتجة عن اضطهادهم لهم، فهم ينظرون في هذه الحال إلينا على أننا من ممتلكاتهم..
ـ الأوروبي ليس من جنس الملائكة، فهو ذو مصالح أنانية.. لذا يجب ألاّ نتوقع منه معاداة إسرائيل، وهي الحارس الأمين لمصالحه. وهو يقبل برضىً الرشوة التي تقدمها له حكومته من لحم أكتافنا.. وهو ذو إرث استعماري لم يتخلص منه..
ـ الاستطلاع الذي أظهر أن 59% من الأوروبيين يعتبرون إسرائيل أكبر تهديد للسلام العالمي، كان سرياً.. والعارفون بأوروبا يقولون إنه لو كان علنياً لما كانت هذه النتيجة.. فالأوروبي رغم الديمقراطية، لديه مخاوفه وأساطيره ومحرماته، وأحياناً تكون هذه المحرمات بالقانون كحال روجيه غارودي..
ـ الأهم أن الرأي العام صناعة. والذي يصنعه هم أصحاب الاحتكارات.. لذا يشيع عندنا وهم أن الحركة الصهيونية هي التي تسيطر على وسائل الإعلام.. وهذا لو صح يؤكد أن الرأي العام صناعة محتكرة..
كل هذا يجعل المنافسة هنا شبه مستحيلة.. فلا يجب أن نكثر من لوم أنفسنا على تقصيرنا في هذا المجال.. فمن المؤكد أن صنّاع الرأي يعرفون جيداً ما نتناساه من حقائق من أجل كسب الرأي العام..
ليست هذه دعوة إلى الإنسحاب من هذه الساحة الصراعية، لكن للتنبيه إلى أن الذين يتذرعون بالرأي العام هم غالباً سيئو النوايا. وهي دعوة للاهتمام بما يمكث في الأرض ويجعل المستوطن في فلسطين يراجع حساباته باستمرار، وإلى جعل خسارة الغربي من إسرائيل أكثر من ربحه، ولعل مقاطعة المنتجات الأمريكية والبريطانية خطوة في الاتجاه الصحيح.. وهي دعوة إلى سؤال أنفسنا: ماذا يفيدنا امتلاك الرأي العام مع خسارتنا أنفسنا؟!.. ماذا يفيد نمر السيرك أن يصفقوا له؟؟!!..
■ أكرم ابراهيم
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 227