باسم ياخور: أنا ممثل مغامر

حين أجرينا هذا الحوار كان باسم ياخور يعد العدة للسفر إلى قرية «السمرا» من أجل تصوير الجزء الثاني من المسلسل الكوميدي المحبوب «ضيعة ضايعة». باسم مثال من بين أمثلة سورية كثيرة تضرب لتؤكد عصامية الفنان السوري الذي خرج من العدم بالصناعة الدرامية السورية  التي استطاعت أن تلقي الضوء على الكثير من الأسئلة الاجتماعية المسكوت عنها، فصارت مكوناً أساسياً للثقافة الجماهيرية.

• كيف تحبّ أن تعرّف عن نفسك؟؟

أعرّف عن نفسي بأنني شخص هاو حتى هذه اللحظة، رغم أنني أشتغل في هذه المهنة بمفهوم احترافي. وأعتقد أن المزج بين حالتي الاحتراف والهواية في الفن مسألة ضرورية، لأنه يجعلك تنظر إلى عملك بمتعة، وليس فقط كعمل يجب أن ينجز. أنا أشتغل بمتعة لأني أرى نفسي كهاو وليس كممثل. تعلمنا خلال دراستنا في «المعهد العالي للفنون المسرحية»، على يدي فايز قزق وغسان مسعود بأن استمتاعك بما تؤدي ينتقل بالعدوى إلى المشاهد، وبأن المتعة تؤثر إلى حد كبير بمزاج من يشاهدك. برمجت نفسي، واختياراتي على هذه الطريقة، بحيث تعتمد أيضاً على المتعة..
درست التمثيل دراسة، ورغم أني درست المسرح إلا أنني اشتغلت القليل منه والكثير من الدراما التلفزيونية. في النهاية كله دراما. عملت مع المخرج جواد الأسدي في مسرحية «تقاسيم على العنبر» لتشيخوف وكانت من المسرحيات المؤثرة في سورية لفترة طويلة. وعملت معه في دور صغير جداً في «الاغتصاب» في إعادة العرض التي تمت في لبنان. وعملت أيضاً مسرحية «النو» (كانت مشروع تخرّج) وأصبحت سهرة تلفزيونية فيما بعد أخرجها هيثم حقي. وعملت مسرحيتي الخاصة وهي من إنتاج خاص وكان اسمها «الرجل المتفجر» وكانت تنتمي للمسرح الجماهيري، وليس التجاري. وأحضر حالياً لمسرحية ستكون أنضج من المسرحية السابقة، اسمها «حديث أموات»، أنوي إخراجها للنور في نهاية هذا العام. أرى التمثيل تجربة مستمرة قد تنجح أو لا تنجح. أحياناً تستطيع أن تحقق فيها ما ترغب.. هو درس مستمر تتعلم منه. أعتقد أنني من أكثر الناس جرأة بين الفنانين لأنني خضت تجارب بعضها هوجم جداً وبعضها نجح نجاحاً كبيراً، وأهم شيء يميز الحالة التجريبية هو أنك لا تكون ضامناً سلفاً للنجاح أو الفشل. وبرأيي أن النجاحات الفنية تحتاج لقلب قوي ولجرأة. الجبان في المفهوم الفني، لا يفشل فشلاً ذريعاً ولا يواجه انتكاسات.. أنا اخترت أن أجرب فأحياناً نجحت نجاحاً ساحقاً، وأحياناً فشلت فشلاً ذريعاً، ولعل ما غطى على هذا الفشل هو بعض التجارب المهمة كـ«بقعة ضوء» و«ضيعة ضايعة».. أنا ممثل مغامر، عندي حس عال بالجرأة..

• ما مدى استيعابك لقدراتك كممثل وكيف تحكم على نفسك بأنك قادر على أداء هذا الدور أو ذاك؟؟

مبدئياً الممثل يجب أن يكون قادراً على أداء أي دور.. أما الاختيار فيتعلق بالمزاج.. إلى أي مدى لدي رغبة في تجسيد هذه الشخصية أم لا.. كذلك يأتي دور الكاتب في طريقة نسجها بمصداقية وجمال وجاذبية..عندها فقط تقرع بابك الشخصية وتقول لك: خذني..

• بماذا تمثل بالوجه؟ بالجسد؟ من وجهة نظرك أين تكمن قوتك كممثل؟

التمثيل لا يكون لا بالوجه ولا بالجسد، بل بالروح.. لأن الروح هي التي ترتسم على الوجه والجسد. الجسد وسيلة لإظهار ما يعتمل في داخلك، وهذا ما يسمى بالأداء الذي يأتي من الداخل إلى الخارج وليس العكس. تستطيع أن تركّب شكلاً وحركة ولوازم لفظية وتقدم شخصية مبنية على هذه التفاصيل، لكن هذا ضعيف، لأنه خالٍ من الحس النفسي، عندما يكون هناك فهم عميق لروح الشخصية ترتسم عليك..

• أجدت في كل الأنواع التي قدمتها لكن الكوميديا أخذتك بشكل خاص.. هل جاء هذا عن قرار مسبق ومتعمد؟؟ أم تماشياً مع رغبة السوق؟ أم أنها المصادفة؟؟

هو قرار متعمد لسبب بسيط وهو أن الكوميديا هي المادة الأكثر إثارة للجدل بين كل الأنواع الأخرى، وهي الجرأة التي أحبها، إما تنجح نجاحاً باهراً وإما تفشل فشلاً ذريعاً. في الكوميديا لا توجد حلول وسطى. أنا شخص حاد وثوري.. أحب أن أخطو بتجارب مختلفة.. لست صفحة ماء راكد، أنا مع خيار البحر المتلاطم الأمواج ضد السكون..
كما أن الكوميديا سلاح في غاية من الخطورة، لأن ما تستطيع أن تقوله في الكوميديا لا تستطيع أن تقوله في غيرها. هي تتيح لك التعبير عن مسائل ساخنة بما تمنحه من هوامش واسعة من الحرية واللعب حيث يمكنك التعبير فيها عن نفسك الحرة، لأنك عندما تلعب بحرية وتحقق المتعة مما يجعلك توصل رسائلك كلها. الكوميديا مساحتي الشخصية لأنها حالة من المتعة والحرية استثنائية الجمال والسحر، والكوميديا قرار متعمد وإنجاز تراكم خطوة خطوة..

• لو نظرت إلى تجربتك نظرة نقدية ترى أين كان النجاح والفشل فيها؟

الفشل كان حصراً في تجاربي الكوميدية، لأن بقية الأعمال إن لم تحقق نجاحاً فهي لا ترتكب فشلاً، وبالتالي تمر مرور الكرام. في الكوميديا عكس النجاح هو الفشل حصراً. تخبطت في حياتي المهنية فور تخرجي حيث بقيت مدة ثلاث سنوات دون عمل، طبعاً آنذاك لم تكن قد ظهرت هذه الفورة الدرامية.. كانت الدراما محتكرة في شركة واحدة في سورية، مدير هذه الشركة ممثل كان راضياً عن البعض، والبعض الآخر غير المرضي عنه يعمل ضمن شروط هذه الشركة، وضمن خيارات هذا المدير. لم يكن أمامنا خيار، اشتغلنا بعض الأعمال الكوميدية التي تعتمد على الأداء العريض والحركة والمبالغة الشديدة التي تصل إلى حد التهريج. لكني أرى أن هذه التجارب إيجابية من ناحية التعريف بنا، وقد علمتنا من أخطائنا رغم كل العيوب التي فيها، فقد أضاءت أمامنا الدرب لتخرج مشاريعنا اللاحقة، حيث اتضح ما نريده.. قدمت لنا دروساً مستفادة في المهنة: في التعامل مع النص، وفي الارتجال بشكل احترافي.. الارتجال مسألة حساسة وتحتاج كونترول شديداً جداً، والدرس الأهم أن هذا (الكنترول) هو الشريك الذي ترتجل أمامه.. كيف تهيئ له ويهيئ لك، كيف تستقبله ويستقبلك، كي نفرش الطريق للمشاهد.. الكوميديا مثل البيمبونغ بقدر ما يكون الإرسال جميلاً يكون الاستقبال والرد جميلاً أيضاً. والعكس صحيح. وللحق أقول علمني الكثير من هذه التفاصيل رجل محترف اسمه هشام شربتجي. إضافة إلى هيثم حقي الأستاذ الكبير في هذه المهنة وهو أول من أسند إلي دوراً غير كوميدي على الإطلاق في مسلسل «الثريا»، وهو دور مهمّ جداً. وفيما بعد أعطاني حاتم علي دوراً مهماً في المجال التاريخي، وهو دور نور الدين زنكي في مسلسل «صلاح الدين»، وأعتبر هذين الأمرين من الرهانات الجريئة. فيما بعد جاءت الشراكة الفنية مع جيل مختلف من الفنانين خصوصاً مع الليث حجو.

معلومات إضافية

العدد رقم:
431