لقاء مع الأديب الباحث محمود عبد الكريم كاتب مسلسل «البحث عن صلاح الدين»: عمل سياسي تحريضي.. يدعو للمواجهة..
* تحية من القلب لـ «قاسيون» الوردة لانحيازها النبيل لحق الشعب في الخبز والحرية والكرامة
*من يسمع «جورج بوش الأب والابن» يتصور أنه أمام ملك متوحش.. يقود جيوش جنكيز خان أو ريتشارد قلب الأسد ليسحق العالم..
(البحث عن صلاح الدين)
* مسلسل درامي تلفزيوني
* عدد الحلقات «30» حلقة ـ
* يعرض في شهر رمضان 2001.
* التأليف والحوار: محمود عبد الكريم
* الإخراج: نجدة أنزور
* في دور صلاح الدين: الفنان رشيد عساف
محمود عبد الكريم.. الباحث والشاعر، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين.. أديب مسكون بالتاريخ والحضارة والأسطورة وكل ما يتعلق بالجميل والعظيم في هذا الشرق... تدل عليه مجموعة أعماله الهامة والبرامج الثقافية والأفلام الوثائقية التلفزيونية.. حكاية هذا الجنوب.. وردة الدم.. أوراق النهضة.. سوا ربينا... وقدم مجموعة تحقيقات تلفزيونية بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان.. ولا يوجد خندق أمامي أيام الخطر إلا وكان يصور به.. وتشهد له بذلك مواقع «خلدة» و«تلة البني»... وبمناسبة إنجازه لكتابة مسلسل «البحث عن صلاح الدين»، كان لـ «قاسيون» معه اللقاء التالي:
* بداية... الآن .. لماذا صلاح الدين؟
ما أشبه اليوم بالأمس
** يبدو أننا ننطلق دائماً من أسئلة لا بد منها... ففي الحديث عن أي عمل فني لا داعي لسوق التبريرات..! فهو يبرر نفسه بنفسه.. ويبقى الحكم في النهاية لمجموعة معقدة من الاحتمالات.. المشاهد.. والناقد.. والرقابات المتنوعة وسواها.. أما من حيث الموضوع «صلاح الدين» فشخصية معاصرة... وملحة في الذهن والضمير العربي والمشرقي عموماً، إنه استدعاء للحظة البطولة الفذة والتسامح العظيم في وجه الوحشية الفالتة والاغتصاب الضارب عرض الحائط حقوق البشر في أرضهم وحضارتهم.. وهو تلك المساحة الحوارية الهائلة بين شرق وغرب.. حوار بالسيوف.. والرماح.. والتجارة والثقافات... نتج عنه ملحمة العصور الوسطى.. حوار بين غرب مغتصب وشرق عربي مقاوم، وما أشبه اليوم بالأمس.
* هل ثمة إسقاط في المسلسل على قضايا عربية معاصرة... أم حاولت استبطاناً أو استنساخاً للحظة معاصرة مستعادة من تاريخ قديم؟
صلاح الدين «حي» في حجارة أبناء فلسطين!!
** لا هذه ولا تلك.. البطل التاريخي تعبير عن روح أمة لهذا فهو حي دائماً... يندفع إلى واجهة الأحداث حينما تحتاجه الأمة... يشهر سيفه أو روحه... أو حجره... وأحياناً قصيدته.. وربما يشهر عبقريته العلمية لمواجهة وضع معقد وصعب... البطل التاريخي حاجة تاريخية دائمة تستحضره الأمة حينما تحتاج لصوته العالي وانحيازه القاطع لحقها وحريتها.. هذا من جهة... من جهة ثانية.. قضية اغتصاب فلسطين في العصور الوسطى من قبل أوروبا «الإفرنجية» حدث لم يتوقف.. إنه مستمر.. والصراع بين الطرفين لم يتوقف... إنه يخاض بأدوات مختلفة حسب العصر... فحواه طمع الغرب وهوسه الإمبراطوري بالسيطرة على الشرق.. من هنا لا إسقاط أثناء الحديث عن صلاح الدين... صلاح الدين «حي» في حجارة أبناء فلسطين في أكفان مقاتلي جنوب لبنان.. في معارك الجولان وسيناء.. إنهم أحفاده ومقاتلوه.. يخوضون بشجاعة معركته مع » ريتشارد قلب الأسد المعاصر».. مع جيوش الفرنجة.. مع اللنبي وغورو وساراي وشارون وبوش وسواهم من قتلة هذا العصر... ورغم ضراوة المعركة القديمة والمعركة المعاصرة.. فالنصر في النهاية كان لصلاح الدين ورجاله وشهدائه.. بالضبط لأنهم أصحاب حق.. ولأنهم يقاتلون في سبيل حقهم بلا هوادة.. ولا يعرف أحد علوّ صوت البطل ووحشية صراخه وبلطاته ومجازره وسيوفه وقنابله. سننتصر هذه حقيقة لا مراء فيها.
* الموضوع أبعد من أن يكون مسلسلاً درامياً، إذن إنه عمل سياسي حقيقي.. ربما بيان درامي؟
لا تخشوا جحافل الغرب وفرسانه المدججين
** نعم.. إنه عمل سياسي مكتمل البناء درامياً وسياسياً .. عمل يسلط الضوء على حقيقة هامة.. جرس يقرع منبهاً: لا تخافوا جيوش «ريتشارد» القديم والمعاصر.. لا تتراجعوا أمام بلطات الفرنجة وسيوفهم.. اتحدوا كي تقارعوا «المجزرة الصهيونية التي تدوس على كل حق.. بما في ذلك حق الحياة».. قاتلوا بأصالة وحاوروا بأصالة ولا تخشوا جحافل الغرب وفرسانه المدججين.. لتكن سيوفكم عالية.. وتسامحكم النبيل.. طريق خيولكم ووجهة مستقبلكم.. نعم هذا عمل سياسي تحريضي يدعو الناس للمواجهة.. ولعدم الخوف وللمقاومة حتى انتزاع الحقوق.
* كيف تعاملت مع العرب وخصومهم في المسلسل؟
الصراع باتجاه حقائقه
** هذا سؤال مهم.. فلقد اعتدنا أن نغدق على أعدائنا كل قبيح.. ونسّور أنفسنا بكل جميل.. دعني أقول شيئاً: من حسن الحظ.. أننا نحن أصحاب الحق.. وهم الظالمون على المستوى العام.. هم «الفرنجة» في الجهة المتهمة. من هنا كنت أمام احتمال طيب أن شخصيات عملي.. تتحرك داخل هذا الهاجس الذي يستبطن استرداد حق مسلوب.. من سالبيه.
أما على المستوى الفردي.. فلم أمارس حقي في الانحياز لقومي.. انحيازاً مطلقاً .. بل تركت مساحة واسعة للحقيقة... فلقد كان بين الفرنجة.. فرسان شجعان.. وبعضهم الأكثر نبلاً انحاز إلينا في معركتنا العادلة.. لقد حاولت أن أفتح باباً للإنسان في صحن هذه المعركة الرهيبة فالصراع الذي رفعت له أوروبا شعاراً دينياً «الصليب» كان زائفاً... كشعار الصهيونية المعاصرة «أرض الميعاد وإعادة بناء الهيكل» دفعت الصراع باتجاه حقائقه.. أوروبا تريد اغتصاب بلادنا ونحن نقاوم هذه الاغتصاب الوحشي.. هنا المسألة بالضبط.. الدين كان عنواناً محرضاً يخفي تحته طمعاً وحشياً بالأرض والثروات.
* هل كان للصراع وجه واحد.. القتال والدم.. ألم يكن ثمة حوار؟
مفارقة غريبة
** بلى.. كان الحوار موجوداً.. ما انقطع ولم ينقطع... في صحن المعارك وفي أوج ضراوتها.. تلاقى العرب والفرنجة.. وتحاوروا وتبادلوا الخبرات وحصلت مثاقفة هائلة.. بعض الباحثين يعطي دوراً كبيراً لملحمة العصور الوسطى العربية والأوروبية.. في نهضة أوروبا.. المتخلفة حينها إلى درجة الرعب.. استفادوا من أدب الشرق وصناعاته وكتبه وطبه.. وبعضهم استبلد بل استعرب، أخذوا معهم الكثير من العلوم والآداب والصناعات والفنون.. وبها وبعوامل أخرى نهضوا فجأة.. تقدموا تقدماً هائلاً فارتدوا إلينا بطمعهم القديم ووحشيتهم القديمة.. وهذه مفارقة غريبة.. همجية في السلوك وتقدم حضاري مذهل في المعارك... لكأن أوروبا تختزن الشيء ونقيضه.. قمة حضارية عالية وهمجية مستبطنة «إمبريالية» في سلوكها الاستعماري منذ القرن الماضي وحتى الآن.
من يسمع «جورج بوش الأب والابن» يتصور أنه أمام ملك متوحش.. يقود جيوش جنكيز خان أو ريتشارد قلب الأسد ليسحق العالم... إن الغرب يريد أن يدعس «بقدمه الهمجية» رأس العالم.. بما فيه من حضارة وحقوق وفنون.. يريد أن يخضع العالم «لحذائه الوحشي» مفارقة لا تكاد تصدق.. بالمناسبة.. غرب اليوم أكثر وحشية من غرب الفرنجة في العصور الوسطى.. لا يوجد بين ملوك الفرنجة وأمرائهم من هو أكثر شراسة وهمجية من قادة الكيان الصهيوني وحاميه الأمريكي.. لهذا فالأمة تبحث عن صلاح الدين... وربما «صلاح الدين» في هذا العصر.. هو الأمة ذاتها.. بالتأكيد ليس فرداً.. حتى في العصر الوسيط لم يكن فرداً.. كان رمزاً لغضب أمة من أجل استرداد حقوقها.
* إلى أين وصلتم..؟!
** مضى الجانب الصعب.. ودخلنا المراحل النهائية وفي رمضان القادم لنا موعد مع صلاح الدين الأيوبي والمخرج المبدع نجدة إسماعيل أنزور.
* الفنان رشيد عساف يلعب دور صلاح الدين.. كيف جسد هذا الدور وما رأيك بمستوى الأداء؟
مسؤولية عالية
** رشيد إضافة إلى نخبة من الممثلين والممثلات من جنسيات عربية عديدة يلعبون أدوارهم بمسؤولية عالية.. فهم أمام لغة مختلفة واستبطان مفاجئ درامي وسياسي وثقافي وهم أمام «كاميرا» يديرها بإبداع مخرج ـ أقول بلا مجاملة يعر ف الجميع أنني لا أجيدها ـ يعتبر كنزاً للفن الدرامي العربي.. ودعني أقول بالنسبة لصديقي العزيز رشيد عساف.. لكل من سمعه وشاهده وهو يجسد شخصية البطل التاريخي «صلاح الدين».. إنه يتألق ويرتقي.. ويصل في بعض اللحظات الدرامية إلى درجة الروعة.. وفي بعض المقاطع يلامس الإعجاز.. أحيانا ًلا تدري. أهو رشيد أم صلاح الدين من يتحدث.. رشيد في هذا الدور.. ارتقى مكاناً لا أعتقد أن ممثلاً عربياً وصل إليه.. رشيد في دور صلاح الدين.. بكلمة واحدة: رائع.
* أخيراً ... هل ثمة شيء؟..
تحية من القلب «لقاسيون»
** تحية من القلب لـ «قاسيون» الوردة لانحيازها النبيل لحق الشعب في الخبز والحرية والكرامة.. لأسرة تحريرها.. ولدورها الذي ينمو مع كل عدد دفاعاً عن حقوقنا الوطنية والاجتماعية والثقافية... المنحازة بشرف لجموع الناس المكافحين في سبيل تقدم وطنهم وبلادهم وعلى طريق التمدن الحقيقي القائم على العدالة والحق والحرية.