غفران ما لا يغتفر

منذ أن أنهيت قراءة كتاب «مبارك وزمانه- من المنصة إلى الميدان» الذي أصدرته دار الشروق في مصر، وأنا أحاول مراجعة عدد من المفاهيم التي كنت أعتقد أنها من البديهيات أو مفروغ منها في منسيات قاع المنظومة الأخلاقية التي تجتمع عليها البشرية عموماً.

وأعود لسؤالي الأولي: هل يمكن غفران ما لا يغتفر؟، ما هي الحدود التي تفصل بين الخيانة وضرورات العمل السياسي؟ ، هل أن نبش التاريخ يشبه نبش قبور الموتى؟ كما عبر لي أحد الأصدقاء، أي أنه من المحرمات (مع العلم أنه في حال الضرورات الجنائية كما تعلمون، تنبش القبور)، وعدد آخر من الأسئلة المتفرعة عن هذه الأسئلة الكبيرة نسبياً، مثل: هل تكتب الوقائع التاريخية بأيد محايدة أم أن هذه الأيدي المحايدة لا تستطيع كتابة رأيها الموضوعي إلا بعد موت غالبية أبطال الحكاية؟
يقول محمد حسنين هيكل في مقدمة الكتاب: «طالعني من وسط الزحام سؤال يصعب تفاديه- مجمله:
-ماذا أعرف حقيقة وأكيداَ عن هذا الرجل، وقد رأيت -ورأوا- صوراً له من مواقع وزوايا بلا عدد، لكنها جميعاً لم تكن كافية لتؤكد لنا اقتناعاً بالرجل، ولا حتى انطباعاً يسهل الاطمئنان إليه والتعرف عليه، أو الثقة في قراره.
بل لعل الصور وقد زادت على الحد، ضاعفت من حيرة الحائرين، أو على الأقل أرهقتهم، وأضعفت قدرة معظمهم على اختيار أقربها صدقاً في التعبير عنه، وفي تقييم شخصيته، وبالتالي في الاطمئنان لفعله؟!!».
أدعوكم لقراءة كتاب «مبارك وزمانه» وكما هي عادة محمد حسنين هيكل، لا يفرض عليك استنتاجاً محدداً كما يقول لكنه يدعك تستنتج ما يريده هو حتماً بلعبة كاتب محترف، ويا لهول ما كان يريد قوله هيكل في هذا الكتاب.
توقفوا عند علاقة الرئيس «حسني مبارك» بالدكتور «أشرف مروان»، وخاصة فيما يتعلق بحرب تشرين فهي خلاصة سريعة ومباشرة لما كانت عليه الحال طوال هذه السنوات في مصر.