أحبس الماء حتى يبلغ الجد
وردت كلمة «جُدد» في سورة فاطر في القرآن: »ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفة ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور» (فاطر: 27-28).
وتعتقد الغالبية أن «الجدد» في الآية تعني الطرق في الجبل. يقول التهذيب: «الجُدد: الخطط والطُّرق تكون في الجبال، خطط بيض وسود وحمر، كالطرق تكون في الجبال، واحدها: جُدّة».
أما نحن، فنعتقد أن كلمة «جدد» جمع «جد»، وأنها تعني الأغصان السميكة أو الجذوعة. أي أن الآية تتحدث عن أشجار تنمو في الجبال بجذوع مختلفة الألوان، ولا تتحدث عن طرق في الجبل. ونظن أن منطق الآية لا يسمح أصلا بالحديث عن «طرائق في الجبال». فهي تتحدث عن ما تخرجه قدرة الله بالماء من ثمار وأشجار وأنعام ودواب. ويؤيد جذر «جد» هذا الاستخلاص. فهو يعني: القطع. والجد، أي الجذع، هو قطعة من الشجرة.
وثمة حديث نبوي غامض للرسول قد يؤيد ما نقول. فقد قال الرسول لرجل اختلف مع آخرين حول حظه من ماء السقي: «احبس الماء حتى يبلغ الجد، ثم أرسل الماء إلى جارك». وثمة اختلاف شديد حول معنى كلمة «الجد» في الحديث. فبعضهم يرى أن الجد هو: المسناة، أي السد الصغير الذي يحجز الماء. وآخرون يرون أن الكلمة هي «الجَدْر» وليس الجد، والجدر هو الجدار. أما نحن نعتقد أن الكلمة هي الجد، وأنها تعني: الجذع. اي أن الرسول قال ما معناه: احبس الماء حتى يرتفع فيبلغ جذع الشجرة، أو جذوع الأشجار، ثم أطلقه.
كما نظن أن ما جاء على لسان الجن في سورة الجن في القرآن يخص هذا الإله بالذات: «قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إن سمعنا قرآنا عجبا. يهدي إلى الرشد فآمنا ولن نشرك بربنا أحدا. وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا» (الجن: 1-3). وقد حارت المصادر العربية أيما حيرة في تفسير جملة «جد ربنا» الغامضة. فكيف يكون لربنا جدّ، وما معنى هذا؟
وقيل أن الجد تعني: العظمة والجلال، الفعل، القدرة، الأمر، النعم، وهكذا.
بل إن هناك من قال إن الجن عنوا بذلك الجد، الذي هو أب الأب. وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع: ليس لله تعالى جد، وإنما قالته الجن للجهالة، فلم يؤاخذوا به.
وكما نرى فكل مفسر يضرب في اتجاه لغموض الجملة، النابع من أنها تحمل إشارة ميثولوجية لم يفهمها المفسرون. ونحن نرى أن جد هنا أيضا تعني: الجذع. فعند من قال القول إن الرب يتمثل في جدّ، أي جذع شجرة.
وأوزيريس الفيضي كان يتمثل بجذع شجرة. لذا كان يسمى في فيضه «جدّ الخريف».
■■