إحراق الأوراق الثقافية.. كرتون
أذكر أنني بكيت كثيراً عندما أصيبت عين أندريه في مسلسل الأطفال الليدي أوسكار، وتعلقت بالتلفاز لساعات عندما كان الطبيب يريد أن يكشف على عينه والشمعة في يده بعد أن رفع الضماد.
وكانت علاقة الحب الغامضة والغريبة التي تجمع بين الليدي أوسكار وأندريه تملأ مخدتي بدموع لا تجف حتى الصباح وأنا أصلي لكي يحصل شيء يغير من مجريات الأحداث، وعندما سقطت الليدي أوسكار ميتة على الأرض في الحلقة الأخيرة بقيت صديقتي حبيسة البيت لأيام طويلة ترفض الخروج، ولا أزال أحتفظ إلى اليوم بقصيدة كتبتها بعد موت أوسكار كلمات تناسب عمري آنذاك لكنني وأصدقائي اعتبرناها فتحاً في علاقتي مع ذلك الكائن الورقي الهش ذي الشعر الأصفر والعينين اللتين تلتمعان بأحلام وألوان تسرقنا إلى زرقة السماء.. لم يكن هناك إيميل أستطيع من خلاله أن أخاطب الليدي أوسكار، كما يحصل اليوم.. فلم أكن أستطيع أن أحدثها أو أخاطبها إلاّ في المنام.
وعندما يبدأ مطلع أغنية الشارة كانت الأمهات ترفعن صوت التلفاز: (أعوام تمضي والدنيا أسرار فلنقرأ فيها عن قصة أوسكار فارسة الفرسان أفق عيناها) هذا المقطع كان كفيلاً كي يقيم حظر تجوال لأطفال الحارة، فالكل يتدافع إلى شاشة التلفاز، وتستغل الأمهات الانجذاب الكامل للأطفال لحشو أفواه أطفالهم بالطعام بعد نهار طويل متعب من اللعب أو الدراسة.
أحببنا سيلفر في «جزيرة الكنز» بالرغم من أنه شخصية شريرة لكنها ساحرة، وبكينا الليالي مع «ريمي» وفرقته، وكبرت أحلامنا مع «ساندي بل» وسيارتها الصحفية، و«هايدي» بجسمها الضئيل والمروج الخضراء التي تركض فيها صارت جزءاً من طفولتنا، «فلونة»، «الحوت الأبيض» ثلاثية «صراع الجئبابرة»..إلخ.. أبطال يولدون أمامنا أبطال لا يمنعهم الورق الذي خلقوا منه ولا الألوان البدائية التي رسمت أجسادهم منها أن يعيشوا في مخيلتنا كأبطال من لحم ودم، أبطال نتألم معهم، ونشتاق إليهم، بطولة من ذاك الزمان..
ففي ذلك الوقت كانت صباحات الإذاعات تصدح بفيروز، وكانت المساءات تمتلئ بأغاني مارسيل خليفة، أحمد قعبور، جوزيف صقر، خالد الهبر، أميمة الخليل، وغيرهم من حملة المرحلة، هذه الأغاني كانت لؤلؤة لمن كانوا يقطنون في تلك البيوت الثورية، وفي بيوتات أخرى كان عازار حبيب بصوته يحمل حباً من نوع خاص حباً من ذلك الزمن، «شو قولك» وإلى جانبه ثلة من المطربين من أمثال غسان صليبا. وبعد زمن ليس ببعيد كان الحب في أغاني راغب علامة مازال يحمل مزيداًَ من ذلك النوع من الحب المعطاء فكان ما زال يقول «يا ريت فيي خبيها وما خلي حدا يحاكيها بهديها دموع عيني وقدملها قلبي بإيدي باخد من عمري وبعطيها.....»، وغيرها من الأغاني.
فكل الأبطال الذين تحدثت عنهم أعلاه ولدوا في ذلك الوقت، حين كانت إذاعة مونت كارلو تنقل بصوت جورج وهيام وغيرهم، أخبار العالم. وحين كانت هناك محطة تلفزيوينة إجبارية واحدة: كانت الإعلانات التلفزيونية قفزة في تاريخ الإعلام.
اليوم مع الثورة العلمية المتزايدة، مع ملايين المحطات وملايين الفضاءات المفتوحة، زاد العلم واختلف أبطال اليوم.. بات أبطال أطفال اليوم مختلفين منهم أبطال الديجيتال الذين لا يهزمون، البوكيمون، المحقق شمام.... إلخ هؤلاء هم مثل لبطولة جديدة تتناسب مع المرحلة، لكنهم أبطال من نوع آخر.. ربما يحبهم من يشاهدهم.. لكن هؤلاء الأبطال سيموتون بعدما نغادر الطفولة.. مباشرة، أو بعد أن نطفئ جهاز التلفزيون.
■ عمرو سواح
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.