رحيل جورج أمادو روائي الشعب.. وكاتب ملحمته الكبرى

كان الشباب التقدمي في عقد الخمسينات من القرن المنصرم شغوفاً بالقراءة وحب الإطلاع، وخصوصاً الأدب التقدمي الثوري، وقد أقبل على مطالعة كل ماكان يقع بين يديه من الأدب المترجم إلى العربية، وكانت أولاها روايات «الأم» و«طفولتي» و«بين الناس» للكاتب البروليتاري الروسي العظيم مكسيم غوركي. و«الفولاذ سقيناه» لأوستروفسكي، وقصة «رجل حقيقي» لبوريس بوليفوي. و«الأوبكوم السري في غمرة العمل» عن نضال اللجنة المنطقية ضد الاحتلال النازي. وقرأ الشباب أيضاً رواية «سقوط باريس» لإيليا إهرنبوغ. وكتاب «أعمدة الاستعمار الأمريكي» لفيكتور بيرلو. والكتابين الهامين: «المؤامرة الكبرى على روسيا» و«الخيانة العظمى» للكاتبين الأمريكيين التقدميين «البير كان» و«ميشيل سايرز». و«عشرة أيام هزّت العالم» لجون ريد، ومذكرات الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي موريس توريز، ورواية «تحت أعواد المشنقة» للكاتب الشيوعي التشيكي يوليوس فوتشيك، وهي مذكرات يومية كتبها في السجن حتى سوقه إلى خشبة الإعدام إبان الإحتلال النازي لتشيكوسلوفاكيا. وقرأ الشباب أيضاً أشعار الشاعر التشيلي العظيم بابلو نيرودا... وغيرها كثير حيث لا مجال لسرد القائمة الطويلة العريضة..

 

ومن الكتَّاب الذين أحبهم الشباب التقدمي وقرأوا رواياته بشغف الكاتب البرازيلي جورج أمادو، وخاصة روايتيه «دروب الجوع» و«فارس الأمل».

وقد بثت وسائل الإعلام العالمية المسموعة والمرئية يوم 6 آب الجاري نبأ رحيل هذا الكاتب الشيوعي العظيم عن عمر يناهز الـ 89 عاماً، والذي عرف في بلاده وفي العالم بأنه روائي الشعب وكاتب ملحمته الكبري.

وقد قررت حكومة ولاية «باهيا» التي ولد فيها أمادو، إعلان الحداد ثلاثة أيام تكريماً لابنها الأشهر، وحسب وصيته، تقرر إحراق جثته ونثر رمادها في حديقة الفيلا الخاصة به في «سلفادور باهيا» حيث عاش مع زوجته «زيليا غاتاري» التي كانت أيضا ً روائية ذات شهرة في بلادها.

وقد وصفه الرئيس البرازيلي «فيرناندو هنريك كاردوسو» بأنه «الرجل الذي كان دائماً إلى جانب المظلومين». ولاحظ الرئيس كاردوسو أن أبطال رواياته باتت على مر الزمن أكثر شهرة وأكثر واقعية من مبتكرها..

حياة أمادو

ولد جورج أمادو في 10 آب 1912 في مزرعة كاكاو بقرية «فيراداس» قرب «إيتا بونا» جنوب ولاية «باهيا».

تابع تعليمه في مدينة «إيبليوس» القريبة من مسقط رأسه، وكانت آنذاك أكبر مركز لزراعة الكاكاو في البلاد.

في سنة 1930 غادر مدينته إلى «ريودوجانيرو» حيث درس فيها الحقوق والعلوم الاجتماعية، وصار محامياً، إلاِّ أنه لم يمارس مهنة المحاماة قط، إذ انتقل إلى عالم آخر هو عالم الأدب، فألف مع «دياس داكوستا» و«أديسون كارنيرو» كتاب «لينيتا». ثم نشر أول رواية له عام 1931 هي «بلاد الكرنفال» وكان في التاسعة عشرة من العمر.

في العاشرة من حياته كان يسوعياً، وقد رأى فيه اليسوعيون موهبة «لمستقبل مترهبن»، إلا أنه خيب آمالهم. فبعد ثلاث سنوات فر من الدير وأعلن عن نفسه بأنه شخص ملحد وبولشفي، وبعد سنتين شرع يعمل صحافياً في ريودوجانيرو.

منذ أن انضم أمادو إلى صفوف الحزب الشيوعي البرازيلي الذي كان يقوده البطل الاسطوري لويس كارلوس بريستس، عاش حياة مضطربة بين سجن ونفي وتنقل وترحال..

انتخب عام 1945 نائباً عن الحزب الشيوعي، ثم أُرغم على الرحيل إلى خارج الوطن، فانتقل من فرنسا إلى الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الاخرى، إلى الأرجنتين.

الكاتب الملتزم

من هنا نعلم، لماذا كان جورج أمادو كاتباً ملتزماً بقضايا الدفاع عن المظلومين والمضطهدين، وقد عكست رواياته هذا الاتجاه بوضوح، بدءاً من رواية «كاكاو» و«عرق»، حيث وصف فيهما البؤس والفاقة اللذين تعرضت لهما الطبقات الشعبية البرازيلية.

جوائز عديدة.. إلاَّ «نوبل»!

وقد نال أمادو جوائز عديدة، ماعدا جائزة «نوبل» التي منحتها اللجنة الملكية السويدية عام 1998 للروائي البرتغالي التقدمي جوزيه ساماراجو، ومن الجوائز التي نالها:

* جائزة «سينوديل دوكا» عام 1998.

* جائزة «بابلو نيرودا» عام 1994.

* جائزة «لويس دي كامويس» ليشبونة 1995.

رواياته:

ألف أمادو 32 رواية وكتاباً، وترجمت أعماله إلى 50 لغة من لغات العالم.

ومن رواياته المشهورة: «كاكاو» 1933، «عرق» 1934، «جوبيانا» 1935، «خليج جميع القديسين» 1935، «ربابنة من رمل» 1937، «دروب الجوع»، «فارس الأمل» وتُعد من أشهر رواياته، حيث صور فيها ببراعة ملحمة الشعب البرازيلي من خلال المسيرة التي قادها الحزب الشيوعي واجتاز فيها أرض البرازيل من جنوبها إلى شمالها بقيادة قائد الحزب لويس كارلوس بريستس من خلال صعوبات هائلة..

 

 إن الشعب البرازيلي ومثقفي العالم لن ينسوا هذا الكاتب الشيوعي العظيم الذي وقف إلى جانب المضطهدين والمظلومين وفضح الاستغلال الذي يعانيه الفقراء ولذلك كان موضع محبة وتقدير الشعب، وموضع حقد من قبل مستغليه، ونحن في هذه الأيام العصيبة بحاجة إلى كاتب جريء وصلب كأمادو ليصور أحوال الشعب ويدافع عن حقوقه في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، ولن يتحقق ذلك ما لم يلتزم الكاتب بحقوق الشعب ومصالحه مع حقه التام في حرية اختيار الموضوعات التي يحبها والفنون التي يجيدها..>