كمال مراد كمال مراد

«قاسيون» تلتقي الفنان التقدمي سميح شقير: الصوت المقاتل.. جنباً إلى جنب مع الحجر!

في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، أطلق الفنان التقدمي سميح شقير تجربته الغنائية الجادة والملتزمة والتي سرعان ما كان لها حضور واسع غطى افتقاد الساحة السورية لهذا النوع من الأغاني الجادة المرتبطة بالهم الوطني والإنساني.. ورغم ضيق المساحة لهذه الأغنية في الإعلام الرسمي.. إلاَّ أنها استطاعت أن تترك بصماتها المتميزة عبر انتشارها الواسع من خلال «الكاسيت» وبعض الأمسيات في أرجاء سورية.. ولم تكن تلك التجربة الهامة بعيدة عن القضايا الساخنة في المنطقة العربية والعالم.. حيث شارك الفنان شقير في العديد من المهرجانات العربية والدولية..

«قاسيون» التقت بالفنان سميح شقير وتناولت معه في حديث سريع أخبار جولته الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا.. وتجربته الغنائية بين قديمها وجديدها..

* ماذا أضافت إليك جولتك الأخيرة في بلاد الاغتراب؟

تواصل إنساني

** بالنسبة للجولات التي قمت بها مؤخراً، أعتبرها فرصة حقيقية لأي كان، كي يتواصل مع المغترَبات ويشاهد ناسها ويحتك بهم ويسمع همومهم.. ويكتسب الموضوع أهمية أكبر عندما يقوم فنان بمثل هذه الجولة، لأن هاجسه التقاط هذه الهموم الإنسانية وتخزينها كمرحلة أولى، ومن ثم إعادة صياغتها في لحظة ما.. وهذه الهموم هي جزء من هموم شعبنا، وتكتشف عبر الحديث مع المغتربين ما وراء قدومهم إلى هذه البلاد البعيدة.. وتكتشف أكثر مستوى أزمة الإنسان في علاقته مع الحياة والقهر الاقتصادي الموجود في معظم البلدان العربية.. والقهر له وجوه متعددة.. تتصل بالحريات وكرامة الإنسان وبالطموح لتجاوز كل المعوقات التي تتصل بصياغة حياة بسيطة وكريمة.. وتكتشف عبر التواصل مع المغتربين الكثير من الهموم التي تعيدك إلى جذر الأزمات التي تعيشها بلدانهم..

ومن ناحية أخرى اعتبر هذه الجولات في بلاد الاغتراب تواصلاً إنسانياً عميقاً، حيث يرون فينا جزءاً من وطن.. وبلحظة ما يتحدثون معنا بحميمية كبيرة عن أحوالهم وكأنهم يتحدثون مع أهلهم وناسهم.. لتكتشف الخيبة والانكسار في مواجهة واقع جديد في بلاد جديدة تبتلع الذاكرة والثقافة.. وما بين التشدد في المحافظة، على هذه الذاكرة وما بين ضرورة التواصل مع هذه المجتمعات الجديدة والاندماج فيها لتحقيق حالة وجود ذاتي.. هناك معترك إنساني كبير..

وضمن هذا الجو كانت جولتي الأخيرة بين مغَتَرَبين هامين وهما الولايات المتحدة الأمريكية ـ وفنزويلا في أمريكا اللاتينية..

من المعروف أن فنزويلا مغترب واسع، فيها عدد كبير من المهاجرين وخاصة من سورية ولبنان وفلسطين والأردن.. وهم يشكلون الغالبية الساحقة.. كما هو واقع الحال في أوروبا واستراليا ودول أمريكا اللاتينية..

* وما هي حصيلة تلك الجولة؟..

** باختصار أقول أن تلك الجولة شكلت حصيلة كبيرة لذاكرتي ولوعي طبيعة تجربة المُغَتَرب ومع تعدد الأماكن أسمع المزيد من القصص والتحليلات والآراء التي تغني التفكير ليغوص في أبعاد تلك التجارب..

ورغم أنني عدت منذ قرابة الشهرين.. إلاَّ أنني ما زلت أعيش هم المغترب.. وفي فنزويلا ألفت عملاً جديداً لخصت به هموم المغتربين هناك والتي تتقاطع مع هموم المغتربين بشكل عام..

* هل كانت أغنياتك حاضرة في تلك البلاد البعيدة؟

دعم الانتفاضة

** قطعت آلاف الكيلومترات لأجد حضور أغنياتي في ذاكرة المغتربين.. وهذا يجعلني أحس بثقل المسئولية ورعبها في صياغة العمل الفني..

أما عن جولتي في الولايات المتحدة الأمريكية فكانت من أجل جمع التبرعات لدعم الأخوة الفلسطينيين في انتفاضتهم.. فقد تمت دعوتي من قبل مؤسسات اقتصادية وثقافية وإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية لإنجاز أكثر من حفل فني دعماً للانتفاضة الفلسطينية الباسلة.

* تحدثت عن هموم الاغتراب الجغرافي. برأيك هل يختلف ذلك عن هموم الاغتراب داخل الوطن؟!

** أعتقد أنه أقسى من الاغتراب الجغرافي.. فالغربة في الوطن شيء مرعب.. وهو دليل عدم تحقق لمجموعة معطيات أساسية يحتاجها الإنسان..

المغترب في الخارج يحن للعودة إلى وطنه.. أما إذا اغترب الإنسان داخل وطنه، فإلى أين يعود؟!

* هل تلمست صدى أغنياتك عن الانتفاضة الفلسطينية الباسلة؟

الأغنية المقاتلة

** تلقيت العديد من الاتصالات من أبناء فلسطين الـ48 ومن الضفة الغربية والجولان.. تحدثوا عن دور أغنيتنا التي تقف جنباً إلى جنب مع الحجر بكل الأماكن والساحات وأن صوت هذه الأغنية يدوي يومياً وهو صوت مقاتل.. وهذا شرف كبير يدفع للمزيد من العطاء..

* في نظرة لمسار تجربتك الفنية عبر سنوات طويلة من تجربة الأغنية الجادة التي تحاكي الهم الإنساني المباشر.. إلى تجربة الأغنية الساخرة.. نلاحظ اليوم عودتك إلى نمط التجربة الأولى هل أصبحت السخرية أصغر من هذا الواقع المؤلم الذي نراه؟!

السخرية... ما بعد الألم!!..

** العمل الساخر جاء في وقت محدد، في زمن سكون أو في زمن مستنقعي.. يقول أحد الفلاسفة: أن السخرية تأتي ما بعد الألم.. وأكثر ما يؤلم عندما لا تستطيع أن تفعل شيئاً.. كان هناك سبات في المنطقة منذ سنوات خلت، وبالتالي الشكل الساخر فرض نفسه في التعامل مع لحظة ميتة لا يمكن أن تصرخ بها وهي ميتة.. عندها لا يمكن إلا َّ أن تسخر.. وهكذا كان ما بعد الألم...

واليوم، ومع نهوض الانتفاضة، نرى أن المنطقة بالكامل عادت لحالة من الحياة، وبالتالي عاد النداء إلى روحه العالية... وهو سيسمع، أما في زمن السبات الماضي إذا ناديت بهذه الطريقة، فقط الجدران ممكن أن تردد الصدى..

أما عن الأغنية الساخرة العربية فهي ليست جديدة في المنطقة العربية فأسسها سيد درويش وتابعها الشيخ إمام... وزياد الرحباني.. وملّكونا إرثاً قليلاً ولكنه هام.. وارتأيت أن أخوض في هذه التجربة... وهذه التجربة لها خصوصيتها وهي ليست بديلاً عن أي شيء، وتجربتنا بملامحها المعتادة والمعروفة عند الناس، هي تجربة وجدت لتستمر بالطريقة نفسها مع تطوير أدواتها... ولكن يجب أن لا يُفهم من ذلك أن هناك تحولاً من خطاب إلى خطاب.. بل هو تلوين على الخطاب نفسه.

* ماذا تفعل الآن.. وما هي مشاريعك القادمة؟!

«زهر الرمان»

** حالياً أضع موسيقى لفيلم سينمائي «زهر الرمان» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما ومن إخراج غسان شميط، وهناك بجعبتي الكثير من المشاريع الجديدة.. هناك جولات قادمة.. وهناك أغنيات تنتظر الوقت لإنضاجها.. وهناك مشروع طرح مجموعة من الأغنيات على الـ(CD).. وأتريث بذلك قليلاً ريثما يتفعَّل قانون الحماية ونستطيع التعامل معه بشكل جديد..