الروائي صنع الله إبراهيم:  يرفض «جائزة الدولة» المصرية.. ويدافع عن كرامة المثقفين:

■ أرفض الجائزة لأنها صادرة عن حكومة لا تملك صدقية منحها بسبب مواقفها وتخاذلها وعجزها وتواطئها..

اختتم الملتقى الروائي الثاني الذي عقد في القاهرة، تحت عنوان «الرواية والمدينة» - دورة إدوارد سعيد - ، فعالياته يوم 22 تشرين الأول بمفاجأة غير متوقعة بإعلان الروائي المصري صنع الله إبراهيم رفضه الجائزة لأنها صادرة عن حكومة لاتملك في نظره مصداقية منحها.

«عندما أستيقظ كل صباح على الدبابات الإسرائيلية وهي تضرب حدودنا، والأمريكان يعيثون فساداً، فيما الفساد نفسه استشرى.. لابد أن يدفعني للغضب والتنديد به كمواطن»..

وقد ألقى الروائي صنع الله الفائز بالجائزة كلمة مكتوبة قال فيها: «هناك من هو أحق مني بالجائزة، بعضهم أموات مثل غالب هلسا وعبد الحكيم قاسم ومطيع زيد دماج، وعبد العزيز مشري وهاني الراهب، والبعض الآخر مازال حياً مثل محمد البساطي وسحر خليفة ورضوى عاشور وإلياس خوري وخيري شلبي وخيري الذهبي وفؤاد التكرلي وغيرهم».

وتطرق الكاتب إلى معاناة الفلسطينيين وما يلاقونه من مجازر وحشية وحروب إبادة قتلت الأطفال والنساء وشردت الآلاف، وقضت على ما تبقى من أرض، في الوقت الذي يستقبل فيه الحكام العرب زعماء الصهيونية والإمبريالية الأمريكية، فتفتح السفارات، بعضها على مبعدة خطوات من هذا المكان.

وأضاف: «لايراودني شك في أن كل مصري يدرك هنا في هذه القاعة حجم المأساة المحدقة بنا جميعاً ولاسيما في سياسة حكومتنا الخارجية، ولم يعد لدينا مربع واحد و لامتر لم يدنسه الأعداء، فلم يعد لدينا سوى صندوق الأكاذيب والفساد والنهب، واختفت الأبحاث العلمية والصناعة والزراعة وتفشى النهب، ومن يعترض يتعرض للسحل والضرب».

ودعا صنع الله الكتاب إلى تحمل مسؤولياتهم كاملة إزاء ما يحدث ثم أعلن اعتذاره عن قبول الجائزة وسط التصفيق العالي وحماسة القاعة الملتهبة تقديراً لموقفه الشجاع.

ثورة ضد التطنيش

وفي تصريح للكفاح العربي قال صنع الله: إن الوضع «الكارثي» الذي نعيشه على المستويات كافة، وغياب أي نوع من المواجهة و «التطنيش» على كل شيء وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي اليومي، في غياب صارخ لأي صدى للحكومات العربية غير الشجب والتنديد والاستنجاد بزعيمة العالم التي تحتل هي نفسها العراق.

هذا الوضع «الكارثي» والصوت غير المسموع للمثقف العربي دفعه للتعبير عن موقفه بهذا الشكل، وخصوصاً أن «محاولة تجري دائماً لاستيعاب المثقفين بالجوائز والمناصب والأموال وأشياء لابد للمثقف من أن يقف ضدها، فضلاً عن أنه رفض الجائزة لأنها صادرة في النهاية عن حكومة لا تملك صدقية منح هذه الجائزة بسبب مواقفها وتخاذلها وعجزها وتواطئها في مواجهة المشكلات. 

وعن محاولة البعض التنديد بموقفه الذي »خلط الثقافة بالسياسة« قال صنع الله إبراهيم: «أنا مواطن قبل أن أكون مثقفاً، وعندما أستيقظ كل صباح على الدبابات الإسرائيلية وهي تضرب حدودنا، والأمريكان يعيثون فساداً، فيما الفساد نفسه استشرى.. لابد أن يدفعني للغضب والتنديد به كمواطن».

وعن موقفه الرافض لزيارة المغرب لحضور مؤتمر الرواية هناك قال: «لقد أحسست أن زيارة الوزير الإسرائيلي للمغرب، فيما كانت الانتفاضة الفلسطينية في أوج قوتها، بمثابة طعنة في ظهر المقاومة، واستكمال لمحاولات إبادة الشعب الفلسطيني، ورأيت أن استقبال الوزير الإسرائيلي بالأحضان في عاصمة عربية، موقف يستدعي رفض حضور المؤتمر. وتساءل: هل أجرمت في هذا»؟!.

وعقب صنع الله إبراهيم على كلمة وزير الثقافة المصري  التي وصف فيها رفضه الجائزة وتنديده بما يحدث للشعب الفلسطيني بأنها: «دليل على الحرية» قال: «أرجو أن يوجه الوزير كلامه هذا للطلبة الذين فقدوا عيونهم برصاص قوات الأمن عندما أرادوا الاحتجاج على الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين والاحتلال الأمريكي للعراق».

بيان من المثقفين المصريين

وأصدر المثقفون المصريون بياناً، أكدوا فيه على الموقف المشرف الذي وقفه صنع الله ابراهيم، هذا نصه:

«يتقدم المثقفون المصريون بأسمى آيات الاحترام والتقدير للكاتب والروائى الكبير صنع الله إبراهيم على إعلانه صراحة موقفهم الذى يدين سياسات الحكومة المصرية الخارجية والداخلية ويؤكدون على حيثياته لرفضها وإدانته عجز الأنظمة العربية إزاء العربدة الأمريكية والإسرائيلية وذلك أثناء رفضه قبول جائزة الرواية العربية التى تمنحها الحكومة المصرية.

إن هذا الموقف الذى قلما يظهر بهذه القوة فى الحياة الثقافية بمصر منذ استقالة أحمد لطفى السيد من رئاسة الجامعة سنة 1932 عندما كان المثقفون فى طليعة المقاومة ضد الاحتلال..

والذى ظهر جلياً فى ثورة 1919 وفى الهبات الوطنية الكبرى بعد ذلك من أجل استعادة المثقف العربى لكرامته ، ولإنقاذه من الخنوع والتمرغ فى مستنقع السلطة.

لقد أثبت صنع الله إبراهيم بإنجازاته الروائية ومواقفه الوطنية أنه من الصعب إدخال المثقفين المصريين إلى حظيرة وزير الثقافة.. وأنهم قادرون - طوال الوقت- على التعبير عن ضمير الأمة الذى تحاول السلطة الفاسدة سرقته..

واحتفاءً بموقف الكاتب الكبير ، يُعد المثقفون المصريون لمؤتمر فى الأسبوع المقبل.. يمنح خلالها جائزة الحركة الثقافية الوطنية».

الموقف الشجاع

انتصار لكرامة المثقف العربى

كما أعلن اكثر من سبعين كاتبا اردنيا في بيان لهم ترحيبهم «بالموقف الشجاع للروائي العربي الكبير صنع الله إبرهيم الذي رفض جائزة الرواية التي منحت له».

 

واضاف البيان: ان الكاتب المصري «بموقفه الشجاع انما يدين نظم الحكم التي تتفرج على ماساة الشعبين الفلسطيني والعراقي وتحرم الجماهير العربية من ممارسة حقها في رفض العدوان والاحتلال والتضامن الاخوي».