السينما عبر موشور فليني.. البابا المعمد بماء الذهب

وضعت كل كسلي وخوفي وترددي في الميزان وعجزي عن تحقيق التضحيات الكبرى وعزوفي عن المعقول ودفنت خلف ظهري كل ارتيابي من الحياة.. وذهبت أخلق كل شيء خلقت حتى نفسي..

● فيدريكو فليني

روما عاصمة البابوية مدينة الخوف والرهبة والتسامي حيث كل الأشياء الممزوجة من الشوائب التي تغشي دماغك بتدافع الأسئلة.

من كاليغولا إلى كنيسة السكستين فأنجلو ودانتي وبازوليتي حاضرة قيصر ورصيف الحياة المزنر ببقايا السباغيتي. عندما تتحدث عن روما فكأنك تحتفل بفليني..

وعندما تأتي على ذكر سيد اللامعقول ومنسق الفوضى في السينما الإيطالية فكأنك تراقص روما.

في حديثه الممتلئ بالارتياب والذي يشبه كثيراً سيناريو فيلم «بروفة أوركسترا» يقول فليني: عندما كنت أحصل على الجوائز كنت أعتقد أن الأمر يتعلق بعيد تحتفل فيه السينما بنفسها، في السابق كان ينوه بي في المدرسة كممثل، أنا الذي كنت أبذل كل جهدي ألا أن أكون ممثلاً كنت أحصل على علامات سلبية كثيرة «كتحت الصفر أو صفر مزدوج».

اليوم حيث أمارس مهنة تتضمن جانباً تقنياً مهماً لاأعرف شيئاً عن التصوير فقط أشير إلى مدير التصوير من أين أريد أن يأتي الضوء أو كيف يجب أن يكون عليه  النور في الكادر. الكاميرا بالنسبة لي مثل الريشة بالنسبة للرسام، إنها عيني وصوتي وامتداد لجسدي، كنت محظوظاً أن أثق بسرعة بهذه الآلة التي لن أعرف أبداً طريقة عملها كما لو أنه كان من المتفق عليه أن تخضع لإرادتي ونزواتي، هذا الأمر منحني طمأنينة كبيرة وحرية تامة عندما أعمل كنت أتطابق مع كل أجزاء العمل، مع كل الأشياء التي تتشكل منها مادية الحلم، يجب أن لاتنسوا أنني ثرثار لا يمكن إصلاحه وكثيرة هي المشاريع التي تدور في رأسي لكن الصحيح أيضاً أنه يمكن إقامة مهرجان سينمائي من الأفلام التي حدثت الصحافيين عنها.

كان شابلن الفنان المفضل لدي، ولم تكن تجذبني قصص الحب الرومانسية الكبيرة، ولا النجوم، بالمقابل وجدت نفسي بالممثلين الكوميديين، فقد كانت نزعتي الفطرية أن أكون مهرجاً، وكانت قناعتي الخاصة من جهة أخرى الاكتفاء بإخراج أفلام كوميدية.

واعذروني على المقارنة لكن عندما كان يقرأ كافكا «الدعوى» أو «المسخ» كان يفرط في الضحك. كانت السينما الأمريكية مكسباً بالنسبة لي، أكثرها هي مرجع أو مكان للمعجزات وكانت تشكل حماية نفسانية أيضاً، حيث كنت أعيش في الريف وقد أمضيت طفولتي تحت سيطرة الفاشية وكنت تلقيت تربية بورجوازية صغيرة ، وكانت الحياة كئيبة بما فيه الكفاية هناك الكنيسة الكاثوليكية من جهة وأسطورة «سبارتاكوس» الممجدة للحرب والسعادة في الموت من أجل الوطن من جهة أخرى. كان ينبغي أن تكون قديساً أو بطلاً لا محالة.

أعجبني من شبان السينما الإيطالية «روبرتو بنيني وناني موريتي» ويسعدني أن أعلن أن في السينما الإيطالية شباناً من هذا النوع بينما أنا أصبحت عجوزاً فاسداً.

عندما أخرجت فيلم «بروفة أوركسترا» عام 1979 أردت بصدق أن أعرض تمرين أوركسترا، لكن يومها كانت هناك الألوية الحمراء وحدث ماحدث.

وأصبح فيلمي اشبه بيوم القيامة دون أن أريد ذلك، وحتى دون أن أدري بعد ذلك في النهاية نزلت التترات معلنة نهاية الفيلم.

ولا أدري متى ستنزل على صفحة السماء التترات التي ستعلن نهاية الحياة أو ربما نهايتي.

 

■ م. أنزو